الوظائف القيادية في بلادنا العربية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الوظائف القيادية في بلادنا العربية

محمد محمود عثمان

لا شك أننا نعاني كثيرا في اختيار بدائل جيدة للقيادات في القطاعين العام والخاص برغم الوفرة العددية من العاملين التي تتطلع للمناصب القيادية والإدارية العليا في الحكومة والقطاع الخاص، ولاسيما أننا نجد في بعض الدول عددا كبيرا من القيادات والمسؤولين القابعين في مناصبهم في الشركات والإدارات الحكومية لفترات تقترب من ربع القرن أو يزيد، وهم إذا كانوا يمثلون قيمة وخبرة في مواقعهم، إلا أن ذلك ربما يحرم القيادات الشابة من فرصة صقل خبراتهم وخدمة أوطانهم وأداء دورهم في عمليات التنمية الاقتصادية، وربما يجبرهم ذلك على الهجرة، بما يطلق عليه هجرة العقول، التي يتلقفها الآخرون في الدول المتقدمة بدون عناء أو بدون أن تتحمل تكاليف دراستهم وإعدادهم وتعليمهم التي تمثل عبئا ماديا واقتصاديا على ميزانية دولهم بما يعد استنزافا للموارد المادية والبشرية، وقد لا تنحصر الخسائر التي تتكبدها الدول العربية نتيجة لهجرة الكفاءات في تكاليف إعداد الخبرات المهاجرة وتكوينها، بل تشمل أيضا ضياع فرصة استفادة هذه الدول من خدمة أبنائها من جهة، والتكاليف الباهظة التي تنفقها على استقدام المهارات الأجنبية لسد النقص في الكفاءات المحلية الناتجة عن الهجرة، ومن جهة أخرى نظرا لاستمرار الموظف أو المسؤول في وظيفته لفترات طويلة، في ظل ضعف الرقابة أو غيابها، فربما يؤدي هذا الوضع لانتشار الفساد الإداري والمالي الذي تكتشفه الجهات الرقابية والتي يعلن عنها بين الحين والآخر، ولعنا نشاهد جميعا العاملين في الحكومة والقطاع الخاص ولا سيما في الدول التي تعتمد بشكل كبير على الأيدي العاملة الأجنبية منذ سنوات طويلة، إنهم يواجهون العديد من التحديات في طريق تأهلهم لارتقاء الوظائف القيادية خاصة أن وجود جنسيات أجنبية في مراكز إدارية وقيادية قد يحول دون تحقيق ذلك، كما أن بعض القيادات الوطنية لا تعطي أهمية كبيرة أو أنها لا تهتم على الإطلاق بإعداد كوادر وطنية كصف ثان أو ثالث، حتى تكون جاهزة لتحمل أعباء المسؤولية بمجرد تصعيدها للصف الأول، وقد يساعد على هذا الوضع عدة أمور مثل الافتقاد إلى الاستراتيجية الوطنية في تبني مسارات المواهب الإدارية والقيادية واكتشاف قدراتها في وقت مبكر وتعهدها بالرعاية والعناية، بداية من المراحل الدراسية الأولى حتى تنتهي من دراستها، على أن تتوافر لديهم الجدية والرغبة والدافعية لتطوير أنفسهم والرقي بمستواهم الوظيفي، ثم إخضاعها لبرامج وتدريبات خاصة وفق مناهج علمية مقننة، وكانت بعض الدول ومنها مصر في الستينات تخصص في المرحلة الثانوية فصولا للطلاب المتفوقين وذوي المهارات ولكنها تلاشت وألغيت بدون إبداء الأسباب أو وضع البدائل، ولكن من الظواهر التي أصبحت سائدة في مجتمعاتنا هو استبعاد الأفراد الذين يتوسم فيهم الشخصية الناضجة والقادرة على التقدم والابتكار وتقديم الحلول العلمية والعملية، وربما التخلص منهم بشكل أو بآخر، خوفا على مقاعدهم أو تجنبا لمنافستهم، ويبدو ذلك أكثر وضوحا في الوزارات والمجالات السياسية، وهذا الوضع يتطلب أن تتضمن القوانين المتعلقة بترقيات كبار المسؤولين والقياديين بنودا لمكافأتهم أو محاسبتهم على تقصيرهم في هذا الشأن، وإلزامهم على تكوين قاعدة معلومات حول الموظفين الذين تم إعدادهم وتأهليهم للمناصب الإدارية والقيادية المستقبلية بدرجاتها وتخصصاتها المختلفة، سواء تم التدريب محليا أم من خلال الابتعاث للدول المتقدمة للدراسة والتدريب، وإعطائهم الفرصة على التدريب العملي والاحتكاك بالعديد من الخبرات وتطوير مهاراتهم من خلال الدورات التدريبية إلى جانب التعلم الذاتي والممارسة وتحمل مسؤولية العمل والقيادة، ثم تصنيفهم طبقا لأولويات قدراتهم، ومستويات تأهيلهم وما بذل في سبيل ذلك، للاستفادة منهم في المواقع القيادية المختلفة، وعلى هذا المنوال يمكن لشركات القطاع الخاص أن تتولى بنفسها تدريب وتأهيل مستويات العاملين لديها على المهن والوظائف التي تحتاجها وعلى المهارات القياسية التي تطلبها،