مسقط - عبدالله الرحبي
سجل الحرفيون علامة فارقة بوجودهم في أروقة المهرجان، وتحديدًا بالقرية التراثية بمتنزه العامرات، حيث يلاحظ الزوار نماذج من كبار السن، ممن أصبحت المهن الحرفية متأصلة في حياتهم اليومية، وجزءًا من أولوياتهم، وارتبطوا بها ارتباطًا وثيقًا.
وتضم القرية التراثية حرفيين ما زالوا يمارسون عملهم بمهارة وإتقان، واستوقفتنا مهنة السعفيات، حيث يزاول الحرفي المر بن سبيت الرواحي، من ولاية المضيبي، الذي أمضى ستين عامًا وهو يمارس حرفته، فأصبحت أنامله تداعب (الخوص) بنسق ونظام يثير الإعجاب.
وتحدث الرواحي: نحن العمانيون نرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنخلة، فمنها نأكل، ومن كل أجزائها نكسب الخير الوفير، وعلى سبيل المثال، سعف النخيل وجذوعها وخوصها نوظفه في صناعة الكثير من المستلزمات التي نستخدمها في الحياة اليومية، وصناعة السعفيات، ولدت من تلك النخلة المباركة، وهي من الصناعات واسعة الانتشار حتى عهد قريب، وكثير من محافظات السلطنة وولاياتها تمارسها، ولكن كل واحد له طريقة تميزه عن الآخر، فلا يكاد يخلو بيت من البيوت الشعبية من واحدة أو أكثر من هذه الصناعات الجميلة، وأنا شخصيًا أمتهن هذه المهنة منذ الصغر، ولا زلت حريصًا عليها، فأقوم بصناعة «القفير» بأشكاله، وهو عبارة عن سلة تُحمل فيها منتجات النخلة من الرطب، كما توضع فيه الأمتعة، كما أصنع الملاهب والسجاد المصنوع من (الخوص)، وأخيرًا أدخلنا أغصان شجر الرسل في صناعة الحصير لتميزه بالقوة والصلابة.
وأضاف الرواحي: أقوم بالعمل داخل المنزل، ويساعدني في ذلك أبنائي، حيث قمت بتعليمهم حتى احترفوا المهنة بشكل ممتاز. وقال إن عملية التسويق تكون على المستوى المحلي أو عن طريق طلبات خاصة.
المشاركات
وحول مشاركاته قال الرواحي: الحمد لله، لي رصيد جيد من المشاركات، فأنا متواصل بالمشاركة في المهرجان منذ سنوات، أما على المستوى المحلي، فلي مشاركات في فعاليات على مستوى الولاية، في معارض تقيمها المدارس والجمعيات وبعض المؤسسات الحكومية، كما أشارك في المعارض التي تقيمها وزارة السياحة أو الهيئة العامة للصناعات الحرفية، وعلى المستوى الخارجي، مثلت السلطنة في فعاليات ومعارض بالمملكة العربية السعودية وقطر والمملكة المغربية وغيرها من البلدان، والحمد الله هذه المشاركات الخارجية شكلت رافدًا قويًا لاكتسب مهارات وأفكار جديدة، حيث زرت معاهد ومعارض دولية، وتعلمت أشياء جيدة وشاهدت نماذج مختلفة، وحولتها لصناعة سعفية بأفكار عمانية.
أهمية المهنة
قال الرواحي إن مهنة السعفيات صناعة خالدة، لأنها جزء من تراثنا العريق، الرجال والنساء يتقنون الصناعات اليدوية بنماذج مختلفة من أوراق شجر النخيل، ويتخذونها حرفة لهم، وهي تتطلب الإتقان والدقة والجمال، كما أنها كانت مصدر رزقنا، والسعفيات في الماضي كانت ضروريات الحياة. حيث كانت تدخل في الحياة اليومية، وتسمى الآلة التي تخاط بها (المخايط أو المخارز) التي تقوم مقام الإبرة، وتتطلب الأدوات الأخرى كالمقص ووعاء تغمر فيه أوراق النخيل، وخوص النخلة له استعمالات عديدة حسب موقعه من النخلة، فالذي يقع في قلب النخلة تصنع منه السلال والحصر والسفرة، والنوع الذي يليه أخضر اللون يستعمل لصناعة الحصير وسلالة الحمالات الكبيرة والمصافي والمكانس وغيرها، ومن الجريد تصنع الأسرَّة والأقفاص والكراسي.
طريقة العمل
وحول طريقة الصنع يبين الرواحي: أقوم بجمع سعف و»خوص» النخيل من المزارع، حيث يتم صبغه وتلوينه بألوان مختلفة، وأهم أمثلة صناعة السعفيات: السلال، وعادة القفير أو القفار حسب التسميات، وهي مستديرة الشكل بألوان مختلفة، وتكون مستديرة وعميقة بعض الشيء، وهي ذات أحجام ومساحات مختلفة وتستخدم في عدة أغراض، كنقل التمر أو حفظ الملابس، وهناك المجبة أو المكبة: مثلثة أو دائرية الشكل، وتستخدم لتغطية الأطعمة حتى لا تنالها الحشرات أو الغبار. والمهفة: وتشبه القمع وأحجامها تتراوح بين الصغيرة والكبيرة، وتستعمل كمروحة للتهوية لترطيب الجو، وغيرها من الصناعات.
إضاءة أخيرة
ويختتم الحرفي المر الرواحي حديثه: أن القرية التراثية هي نموذج ناجح في تعريف الجماهير الزائرة من العرب والأجانب على حد سواء، مع أطياف من الجيل الجديد، على جوانب مضيئة من التراث التقليدي للسلطنة، بكافة مناطقها وبيئاتها المختلفة، لتعزيز قيم الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية، من خلال تظاهرة ثقافية وشعبية تُتبادل عبرها المعلومات والأفكار والخبرات، تساهم في نشر وترويج معطيات حضارتنا الإنسانية وتنقلها لبقية شعوب العالم.