المعاهدة الدولية للبذور المناهضة للعلم

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
المعاهدة الدولية للبذور المناهضة للعلم

هنري لي ميلر ودرو لي كيرشن

صادقت الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر الفائت على المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة والمعروفة باسم المعاهدة الدولية للبذور وهذه المعاهدة فيها عيوب كثيرة شأنها شأن الكثير من الاتفاقيات الدولية التي تعد برعاية الأمم المتحدة. في واقع الأمر، معاهدة البذور مهزلة صحيحة من الناحية السياسية لكنها مناهضة للتكنولوجيا.

إن المعاهدة التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2004 انبثقت من نوايا جديرة بالثناء، لكنها أصبحت في نهاية المطاف مزيجًا من آمال وهمية ترجمت إلى قيود قانونية قاسية جداً على تبادل الموارد الوراثية، وهي البذور بصفة أساسية، بين الدول حيث تأتي عدم واقعية أهداف المعاهدة من خلال البيان الرسمي لهذه الأهداف: الحفاظ على جميع الموارد الوراثية النباتية والاستخدام المستدام لها من أجل الغذاء والزراعة والتقاسم العادل والمنصف للفوائد الناشئة عن الانتفاع بما يتوافق مع اتفاقية التنوع البيولوجي، من أجل الزراعة المستدامة والأمن الغذائي.
والمبدأ الإرشادي لمعاهدة البذور هو أن الموارد الوراثية تقع داخل نطاق الحق السيادي للدول الأعضاء أي الحكومات. وهذا يندرج تحت الرفض الصريح للمفهوم الراسخ أن الموارد الوراثية النباتية والحيوانية هي تراث مشترك للبشرية. وهو يتحدى فكرة أن موارد عالمية معينة تعود بالفائدة على الجميع لا يجب أن يستغلها أو يحتكرها أفراد أو دول أو مؤسسات أو أي كيانات من جانب أحادي، بل ينبغي إداراتها بطرق تعود بالفائدة على جميع البشرية. وأبرمت معاهدة البذور بدافع الخوف من «القرصنة الحيوية» وهي سرقة شركات البذور الزراعية لموارد العالم الوراثية، وحينها يمكن لهذه الشركات ادعاء امتلاك هذه الموارد واستخدام نفوذها للتحكم الاحتكاري وعلى الرغم من أن الاتهامات بالقرصنة الحيوية لها قد تبدو جذابة من الناحية العاطفية، أظهرت التحليلات التي تتسم بالحياد أنها لا تستند على دلائل واقعية فالقرصنة الحيوية في حقيقة الأمر نادرة جدًا لدرجة إنه يمكن السيطرة عليها مباشرةً.
وبدلًا من ذلك قدم العالم نظام باروكي بيروقراطيا مسيسا يعوق بشكل ممنهج البحث العلمي وتربية النباتات وإنشاء الملكية الفكرية وحققت معاهدة البذور ذلك بتأسيسها لنظام متعدد الأطراف للوصول لقائمة بالموارد الزراعية الوراثية خاضعة للتفاوض. وجلبت معاهدة البذور تحت إشراف أطرافها وأمانتها الخمـــس عشــرة مؤســسة بحثية التي تشكل الجماعة الاســـتشارية للبحوث الزراعية الدولية (CGIAR) وهي شراكة مؤثرة في مجال البحوث العالمية. وعندما تصادق دولة على معاهدة البذور فإنها تقبل أن بنوك البذور الخاصة بها - في الولايات المتحدة الأمريكية مستودعها موجود في فورت كوليــنز في كولورادو -ستلتزم بنفس القواعد مثل مراكز الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية.
لكن القواعد الموحدة لا توفر إلا القليل من المساعدة. لسوء الحظ ونتيجة لمعاهدة البذور فإن الدول تتعامل بشكل متزايد مع مواردها الوراثية مثلما تتعامل الكلاب مع العظمة: يعني غير مسموح بالمشاركة حتى فيما بين علمائها ومزارعيها، في حين أن معظم التبادلات الدولية للموارد الوراثية تم إغلاقها خلال الاثنى عشر عامًا الأخيرة. ولقد كانت مراكز الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية قادرة على الاستمرار في تبادل الموارد الوراثية لكن أصبحت هذه العملية الآن أكثر تعقيدًا وذات متطلبات أكثر مما كانت عليه قبل سريان مفعول معاهدة البذور.
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإنه من الصعب تحديد أثر دخول معاهدة البذور حيز التنفيذ عليها بدقة، خاصة بسبب أن صياغة المعاهدة متلونة وغامضة بشكل يجعل معانيها ومتطلباتها غير واضحة المعالم لكن من الواضح أن تجارب الدول التي نفذت المعاهدة لم تكن إيجابية ما لم تتوفر لها قدرة عالية على تحمل الأنظمة البيروقراطية الرقابية والتي تكبح الابتكار والتطور باسم التطلعات النبيلة.
واقتطعت معاهدة البذور من نفس المنطق المناهض للرأسمالية والمناهض للعلم وللابتكار مثل اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD) وهي أيضًا انعكاس لبروتوكول غير علمي على نحوٍ صارخ ومناهض للهندسة الوراثية وهو بروتوكول كرتاخينا للسلامة البيولوجية الملحق باتفاقية التنوع البيولوجي.
لقد وعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب صاحب كتاب فن الصفقة أنه سيضع حداً للصفقات السيئة والانسحاب من معاهدة البذور ستكون بداية جيدة لأحترام هذا التعهد.

هنري ميلر هو زميل مؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد الأمريكية

درو كيرشن أستاذ فخري في كلية الحقوق بجامعة أوكلاهوما.