السياسة الاقتصادية التي علـى ترامــب اتباعــها

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
السياسة الاقتصادية

التي علـى ترامــب اتباعــها

مارك مالوتش براون

مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، تتصدى مجموعة مؤلفة من خمسة وثلاثين من قادة قطاع الأعمال الدوليين البارزين، يقودها المدير التنفيذي لشركة يونيليفر بول بولمان وبقيادتي كذلك، للدفاع عن الأسواق المفتوحة، وتعزيز الكفاح ضد تغير المناخ، والمطالبة بدفعة هائلة لمواجهة عدم المساواة في العالم وتلك هي العناصر الجوهرية لما نعتقد أنها الاستراتيجية الاقتصادية الوحيدة ذات الجدوى التي يمكن للولايات المتحدة والعالم انتهاجها.

أبرزت نتائج الانتخابات التي جرت مؤخرًا ومن ضمنها انتخاب ترامب المظالم الاقتصادية العميقة التي تعيشها العديد من الأسر في العالم المتقدم، وقبل الأزمة المالية التي ضربت العالم في العام 2008 بنحو عشرين عامًا وفرت العولمة غير المسبوقة الدخل للجميع وتكاد تكون لم تغفل أحدًا، فلقد ارتفعت دخول أفقر ثلث شرائح المجتمع الإنساني بمقدار 40-70%، وزادت دخول ثلث المجتمع المتمثل في الطبقة الوسطى بنحو 80%. وأعلى نسبة من القمة 1% انتعشت أحوالها بقدر أكبر، بل أكبر بكثير، لدرجة أن الصفوة في عالم الأعمال يواجهون الآن ردة فعل قوية.
ومع ذلك فإن دخول طبقة مؤثرة، وهي الأسر ذات الدخل المتوسط المنخفض، بالكاد ارتفعت على الإطلاق. ومنذ العام 2008، تحملت هذه الفئة نفسها العبء الأكبر من التقشف. وليس من المستغرب أن أفرادها يشعرون أن العولمة «خلفتهم وراءها» والآن يطالبون بالتغيير.
وقد تشعر إدارة ترامب بالانجذاب نحو فكرة معالجة مشكلات هذه الفئة بمعزل عن العالم وتطبيق سياسات تهتم بالشأن الداخلي تستهدف صناعات معينة، أو بمحاولة الحد من المنافسة التجارية ولكن المشكلات التي تواجه هذه الأسر ليست منعزلة عن غيرها، بل إنها تنبع من القيود الاجتماعية والبيئية الناتجة عن النموذج السائد من النمو الاقتصادي وطبيعة العولمة التي عززها هذا النموذج وعند تجاهل هذه الحقيقة والانشغال بتنفيذ الحلول القومية والضيقة سيزيد الطين بلة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الصعوبة النسبية في منطقة حزام الصدأ الأمريكية، حيث كان الدعم المقدم لترامب أساسيًا في تحقيقه الفوز، هي تداعيات غير مقصودة لسوق العمل العالمي الآخذ في التوسع سريعًا، مما يعرض العمال في كل مكان تقريبًا إلى الاستضعاف، حتى في الاقتصادات الناشئة التي بدأ عمالها وكأنهم «الفائزون» من العولمة في العقود الأخيرة علما أن الدول والمناطق التي تتنافس لجذب استثمارات الشركات تكون الطرف الأضعف في المفاوضات، ولا تملك صوتًا للدفاع عن معايير العمل العالية.
أما من الناحية البيئية فتكشف الأدلة عن موقف شديد السوء؛ فالنشاط البشري قد دفع الكوكب بالفعل لتجاوز أربعة من حدود السلامة المادية التسعة، من بينها التغير المناخي وخسارة سلامة المحيط الجوي. وتحد التكاليف المتصاعدة للأضرار البيئية من النمو الاقتصادي، مما يجعل تخفيف مصادر الحماية البيئية اقتصادًا زائفًا.
وعلى سبيل المثال، فإن الضرر على النظم البيئية والتنوع البيولوجي الناجم عن الممارسات الحالية في القطاع الغذائي والزراعي وحـــده يمكــن أن يكلف ما يعادل 18% من الناتج الاقتصادي العالمي بحلول العام 2050، بزيادة من 3% في العام 2008. وفي الأسواق الناشئة، لاسيما في آسيا، أدى التوسع الاقتصادي السريع إلى تكوين الضباب الذي يهدد الحياة والاختناق المروري في المدن غير القادرة على توســيع بنيتها الأساسية بسرعة كافية.
ويتطلب التعامل مع المشكلات البيئية العالمية وتحسين حظوظ أولئك الذين تركناهم خلفنا تحركاً جماعياً مثل التحرك الذي أشرفت عليه أثناء تقلدي لمناصبي في البنك الدولي، والأمم المتحدة، والحكومة البريطانية ولكن الأمر يتطلب كذلك مشاركة قطاع الأعمال.
أثناء حياتي المهنية الخاصة، رأيت بنفسي أن النمو الذي وقوده المنافسة التجارية في عالم العولمة يمكن أن يتعاظم أثره في مكافحة الفقر والجوع والمرض أكثر من البرامج التي تمولها الحكومة وحدها. ولكن عندما لا تدار هذه المنافسة على نحو مسؤول، يمكن أن يحدث العكس، وفي العديد من الحالات، حدث هذا بالفعل.
وعند انتهاز فرص العولمة، كثيرًا ما أهملت الشركات عمال العالم المتقدم الذين لم تكترث بهم، وهذا مع تعريض عمال العالم النامي للحرمان غير المحدود وفضلاً عن ذلك، تضغط الشركات الفردية عادة لمعارضة إجراءات الحماية البيئية والتهرب منها مع أنها في صالحنا جميعًا بشكل لا يدعو للشك.
واليوم، أنا مسرور بوجود مجموعة سريعة النمو من قادة قطاع الأعمال تقر بأن الحريات الأعظم والثروة التي يكسبونها من العولمة تعني المزيد من المسؤولية تجاه العمالة والبيئة ونحن نتوقع أن استراتيجيتنا لضمان استمرار العولمة- بشكلها الجديد الذي يتمتع بالمزيد من الاستدامة والشمولية -ستجذب المزيد من هؤلاء القادة لتبني القضية.
وإطار استراتيجيتنا موجود بالفعل وهو يأتي على شكل سبعة عشر هدفاً من أهداف التنمية المستدامة التي تم الاتفاق عليها بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في العام 2015. وتحقيق هذه الأهداف يعني الأجور اللائقة، وظروف العمل، وشبكات الأمان لجميع المشاركين في سوق العمل العالمي، فضلا عن الحفاظ على البيئة.
وتتعهد أهداف التنمية المستدامة كذلك بتوفير الأرضية المناسبة للمنافسة العادلة التي تعزز النمو وفي القطاعات الرئيسية الأربعة التي درسناها بالتفصيل، شهدنا فرص الأعمال عالية الأرباح التي تنشأ من الاستراتيجية والتي تدفع بإحداث الزيادة في معدل دخل الفرد العالمي السنوي بما لا يقل عن 12 تريليون دولارًا ونحن ننادي بإجراء المزيد من التغيرات -لاسيما تسعير الموارد بشكل يعكس التكاليف الاجتماعية والبيئية الكاملة -والتي ستضمن أن النمو الاقتصادي المستقبلي يحمي العمال والكوكب.
ولن يكون من السهل ضمان هذه النتائج، لإنها سوف تتطلب عقداً اجتماعياً جديداً بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني. ولإحراز النجاح ينبغي على جميع الأطراف أن ينظروا إلى أنفسهم بوصفهم مشاركين في صفقة لصالح الجميع، أكثر من متنافسين في لعبة محصلتها صفر. وتشير الأدلة أنه لا يمكن إلا لاقتصاد عالمي مستدام ومفتوح وشامل أن يدعم مستقبل آمن بيئيا، ومزدهر اقتصاديا، وعادل اجتماعيا للبشرية.
وأما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فهذه الاستراتيجية تتفق مع الأولويات التي أعلنها ترامب، وهي لا تقدم أكثر الحلول الواعدة للمظالم الاقتصادية لأنصاره فحسب، بل تنطوي كذلك على زيادة في الإنفاق على البنية الأساسية كما وعد ترامب بالفعل.
وبدلاً من استخدام محفزات مالية في جهد بلا طائل لإنعاش الصناعات المتعثرة المتسببة في انبعاث الدخان ومصادر الطاقة القديمة، فإن على حكومة ترامب – بل والعالم بأسره – أن يضع رهانه على مستقبل منخفض في نسبة الكربون ومن المؤكد أن الكثير من الشركات سوف تنضم إلى القافلة.

مارك مالوتش براون رئيس لجنة الأعمال

التجارية والتنمية المستدامة