علي ناجي الرعوي
لم يعد خافيا ان كرة النار التي يستعر فتيلها في اليمن بعيدان ثقاب داخلية من جهة وخارجية من الجهة الاخرى هي من قد تتدحرج في نهاية المطاف الى المحيط الاقليمي اذا ما استمر هذا الفتيل مشتعلا واستمرت ابواب الحلول مقفلة وتأخر انجاز العبور الى ضفة التسوية السلمية وبقي المشهد في هذا البلد لعدة اشهر قادمة محشورا في زوايا العنف والعنف المضاد خصوصا وان كل الوقائع على الارض تثبت ان المستفيد الاكبر من الازمة المتمادية في اليمن هو الارهاب وأدواته عناصر (القاعدة) وتنظيم داعش وجماعة انصار الشريعة وغيرها من الجماعات المتشددة التي اضحت تتحرك في اطار تنظيمي محكم ومهيكل مما مكنها من السيطرة على اجزاء واسعة من فضاء الجغرافيا اليمنية وفرض تشريعاتها في محافظات عدة الى درجة ان هذه التنظيمات المتشددة باتت تتهدد بتقويض اية فرصة لاستتباب الامن والاستقرار في المحافظات التي يصفها التحالف العربي بـ(المحررة) من قبضة الحوثيين وقوات الجيش المناوئة لحكومة عبدربه منصور هادي بما في ذلك محافظة عدن التي اعلنتها هذه الحكومة عاصمة مؤقتة للدولة وهو ما يشي تماما الى انه وكلما طال امد الصراع والحرب والفوضى تكاثرت المياه الملوثة التي تسبح فيها تماسيح الارهاب واشتد عود هذه التماسيح وازدهر نشاطها عملا وفكرا وتمددا وانتشارا.
مع دخول الجماعات الارهابية والمتطرفة على خط الازمة اليمنية وإيقاع الاقتتال الداخلي والحرب الخارجية التي يشنها التحالف العربي منذ مارس 2015م فقد اصبحت الازمة اليمنية اشبه ما يكون بمعضلة امنية اكثر منها جيوسياسية وفي هذا قدر من التحول الذي لم يتنبه له طرفي الصراع الداخلي او الخارجي اللذين يسعى كلا منهما الى تحقيق الانتصار في هذه المعركة المصيرية ويرفض اية هزيمة متوقعة بصرف النظر عن النتائج المترتبة على هذا الانتصار وفي المقابل فان المجتمع الدولي الذي يحاول النأي بنفسه عن مؤثرات هذه الازمة وذيولها المتداخلة والمتناثرة انطلاقا من منظور انتهازي ومصلحي يبدو وكأنه غير معنيا بما يجري في اليمن بعد ان سلم ملف هذا البلد للدول الخليجية ليس حبا بها وإنما سعيا منه الى ابتزازها بصفقات السلاح لذلك فهو من يغمض عينيه كليا عن الخطر الارهابي الذي يتصاعد في اليمن هذا ان لم يكن يرغب في تحويل اليمن الى بؤرة للإرهاب حتى يتسنى له امتصاص مقدرات الخليج وثرواته عبر استخدام هذه الورقة لإثارة مخاوفها لسنوات قادمة.
ان التزاوج الحاصل بين العنف السياسي والتطرف الفكري والذي تظهر ملامحه شاخصة فيما يعتمل اليوم على الساحة اليمنية هو تزاوج بين ميولين جانحين يتحركان وفق منطق من ليس معنا فهو ضدنا وعلى الرغم من ذلك فان جوهر الامن لأية دولة كاليمن يبقى مرتبطا على نحو وثيق بأمن واستقرار الدول الخليجية الذي يمثل اليمن خاصرتها الجنوبية وبالتالي فان ارهابيو (القاعدة) وتنظيم (داعش) وانصار الشريعة وغيرها من الجماعات المتشددة التي تعيث اليوم فسادا وتزداد توحشا لا تمثل ضررا على اليمن واهله وحدهم بل ان هذه التنظيمات الهجينة من جنسيات عدة هي ضرر محض وشر خالص على دول الخليج والعالم العربي والمجتمع الانساني كله ومن ينكر هذه الحقيقة انما هو كمن يحاول تغطية عين الشمس بغربال.
لذلك فليس هذا الوقت الذي يمارس فيه البعض اعتساف الوقائع كما هو شأن بعض وسائل الاعلام العربية التي تحاول ان تبرر انتشار الجماعات المتشددة في اليمن باتهامها للنظام السابق بتغذية هذه الجماعات الارهابية على اعتبار ان القصة اكبر من هذه المكايدات واخطر من اختزال حركة تلك التنظيمات بطرف سياسي محدد او في مؤامرة من قوى داخلية او خارجية وهو ما يستدعي معه التركيز على ان الارهاب ما كان له ان يصبح بهذا المستوى حجما وانتشارا وتمددا إلا في ظل استمرار الحرب ورهان اطرافها الداخلية والخارجية على مسألة الحسم العسكري وتغليب هذا الخيار على الخيارات الاخرى.
لذلك فان الثقة مازالت كبيرة في ادراك الدول الخليجية وقيادة التحالف العربي الذي يخوض حربا مفتوحة على جماعة الحوثيين ان ما تخطط له الجماعات الارهابية ليس فقط السيطرة على اليمن والمنافذ البحرية الاستراتيجية في البحر الاحمر والبحر العربي وإنما تهدف الى الانقباض على الخليج والأمن القومي العربي الذي تعد حمايته مسئولية مجتمعية ينبغي لها ان تتجسد في الحرص على اعادة اليمن الى حاضنة الدولة واخذ المبادرة لتحفيز فرقاء النزاع في هذا البلد على تغليب منطق السلام بعيدا عن مخاوف الجميع من الجميع.
اليمن مستهدفة بالفعل من الارهاب لكنها ليست وحدها من سيدفع الثمن بل ان كل الشعوب الخليجية ستجد نفسها عرضة لاختراقات عناصر الارهاب وتفجيراتها المدوية وهناك مع الاسف من الاطراف الدولية من يرغب في احداث مثل هذا الانفجار في الجسم الخليجي ليتم العبث بأمن الخليج واستقراره وازدهاره وهذه الاطراف ربما هي من تظهر اليوم غير متحمسة لالتئام الجرح اليمني وإخراجه من محنته الراهنة لقناعتها ان اطالة امد الفوضى في اليمن سيسهم في خلخلة جواره ومحيطه الجغرافي لذلك فهذه الاطراف هي من تعمل باسم الحرب على اثارة حفيظة هذا الجوار ليس لمنع خطر القاعدة والتنظيمات الارهابية او حتى الحوثيين وإنما لضرب عمود التوازن في داخله والتعجيل في اشتعاله.
برغم صعوبة الحلول السياسية بعد تعقد الامور على الساحة اليمنية لكن يجب ان لا تتوقف المحاولات للوصول اليها وعلى الجميع التفكير جيدا في ان ادامة الحرب انما يعني تطور الامور والوصول لنهايات قد تكون سيئة للغاية ينبغي ان لا يستخف بها احد .. حيث ان المؤشرات الحالية تفتح الباب لكل السيناريوهات ومن ذلك سقوط اليمن والخليج في مستنقع الارهاب العابر للحدود.
كاتب يمني