فريد أحمد حسن
السؤال الذي صار يشغل حيزًا كبيرًا من تفكير الخليجيين اليوم بسبب المشكلات المالية التي صارت تعاني منها كل دول مجلس التعاون، نتيجة انخفاض سعر برميل النفط والاضطرار إلى شراء مزيد من الأسلحة بغية الشعور بشيء من الاطمئنان في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة والممتلئة بالمتغيرات المتسارعة والخطيرةن وكذلك العمليات الإرهابية التي كثرت ولا تبقي ولا تذر، السؤال الذي صار يربك حياة الخليجيين هو كيف سيصير الحال بعد قليل حيث المتوقع أن تشتد الأزمة؟
هل سيتم مثلا اتخاذ قرارات بالاستغناء عن العمالة الأجنبية التي صارت تعتمد عليها دول التعاون في كل شيء؛ حكومات ومؤسسات وأفراد؟ أم أن هؤلاء العمال سيغادرون من تلقاء أنفسهم لأنهم لن يتمكنوا من تحمل الظروف الجديدة برواتبها التي لن تمكنهم من مواجهة أعباء الحياة وتحقيق الهدف الذي تركوا بلدانهم من أجله؟
كيف سيكون الحال في الحالتين؟ هل ستتوقف التنمية في بلداننا الخليجية وتتوقف عن التطور ومواكبة العصر؟ أم أنها ستضطر فقط إلى تأجيل بعض المشروعات كي تستفيد من الأموال المرصودة لها في أمور أكثر أهمية وأكثر إلحاحاً؟
يبدو الأمر مزعجًا، ويجزم البعض أن الأيام المقبلة ستكون صعبة للغاية خصوصًا مع إقبال دول التعاون على فرض ضرائب على المواطنين والمقيمين الذين يعانون أساسًا من ارتفاع أسعار كل شيء. البعض يرى أن الحالك من الأيام لم يأت بعد وأنه ليس ببعيد. والمثير هو أنه لا يوجد بعض آخر يقول كلاما آخر يمكن أن يخفف أو يهون أو حتى يواسي، فالجميع يرى بوضوح كيف تسير الأمور، والجميع لا يجد صعوبة في تصور ما ستؤول إليه الأحوال، على الأقل في الفترة القريبة المقبلة.
الاستغناء عن العمالة الأجنبية أو اتخاذها قرارا بالمغادرة موضوع ينبغي أن يكون هاجس الحكومات الخليجية، والسبب هو أن البديل لتلك العمالة غير متوفر.
لا أحد ينكر أن الفترة الفائتة وخصوصا في السنوات الأخيرة زادت «الاستثمارات العامة والخاصة في برامج الإدارة والقيادة وتطوير المهارات من خلال التعليم الرسمي والتنفيذي والتدريب المهني والإداري ومن خلال تقديم المنح الدراسية الخارجية للمواطنين»، وزادت القناعات «بأهمية هذه التدابير وتطوير المنظمات والمؤسسات التقليدية في دول الخليج ونماذج التحديث الاقتصادي التي تؤكد على دور العمالة الوطنية الكفوءة في نجاح المؤسسات ودورها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بشكل عام»، ولكن للأسف لم يتم الوصول بعد إلى المرحلة التي يمكن أن تعتمد فيها دول التعاون على مواردها البشرية الوطنية.
في دراسة مهمة للدكتور خالد عثمان اليحيى عنوانها «تنمية الموارد البشرية والتطوير المؤسسي.. ظاهرة الطاقات المعطلة وإشكالية التمكين في دول الخليج»، نشرت في كتاب عن الموارد البشرية والتنمية في دول الخليج العربي احتوى العديد من الدراسات للعديد من الباحثين صدر قبل سنوات قليلة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في هذه الدراسة التي سلط من خلالها الضوء على مشكلة الطاقات المعطلة وضعف الموارد البشرية وعلاقته بتصميم المؤسسة وممارسات الموارد البشرية، يخلص إلى أنه «قد يصبح الاحتفاظ بالأفراد المتحفزين ذوي الكفاءات العالية والاستفادة منهم أولوية قصوى لأن الحكومات ترزح تحت وطأة ضغوط متزايدة لتحسين أدائها وتعزيز شرعيتها»،
المعلومتان اللتان ينبغي ألا تغيبا عن الأذهان والناتجتان عن استسهال أصحاب العمل جلب العمالة من الخارج وعدم تأهيل العمالة الوطنية وتدريبها هما أن العمالة الأجنبية تحتل اليوم نحو 80% من الوظائف في أسواق الخليج العربي بينما تعاني العمالة الوطنية من نقص في الخبرة ونقص في التدريب.
فإذا أضيف إلى كل هذا التكلفة العالية للعمالة الوطنية أو عدم قبولها برواتب هزيلة في ظل الظروف المادية الصعبة التي تمر بها دول التعاون فإن صورة المستقبل القريب ستكون أكثر وضوحا، الأمر الذي يستدعي إعلان الحكومات الخليجية حالة الطوارئ، على الأقل كي لا تتفاقم الأمور، وبالطبع ليس المقصود بإعلان حالة الطوارئ إقرار الضرائب وتجميد الترقيات والحوافز وخنق الرواتب ولكن بإيجاد الخطط الكفيلة بتقليل هامش الضرر. ولعل إفساح المجال لمن حظي بالتأهيل واكتسب قدرات قيادية من المواطنين في السنوات السابقة للمشاركة في اتخاذ القرار ورسم السياسات العامة من شأنه أن يفضي إلى التخفيف من صعوبات المرحلة.
كاتب بحريني