إحداث تغييرات في هيكلة الاقتصاد في أي دولة يحتاج إلى قرارات قوية و صعبة للغاية ، لوصف الدواء المناسب للداء كما يقال، و ليس مجرد ترقيع من هنا و هناك، و النهوض بالمؤسسات الصغيرة و المتوسطة في البلاد يحتاج إلى إحداث نقلة نوعية من خلال تغيير منهجية العمل وتوفير كل مسببات النجاح لها، و ليس تشجيعها من جانب و منافستها من جانب آخر، أو توفير فرص ريادة، و فتح باب الوظائف الخريجين ، فهذه الممارسات لا تستقيم في إحداث تغير جذري في سوق العمل الذي يعاني من اختلالات كبيرة بسبب المتناقضات التي تعتريه .
و من أهم القرارات التي يجب أن تتخذ الفصل بين الوظيفة العامة وممارسة العمل الحر أو الخاص ايا كانت التسميات إذا رغبنا فعلا في إصلاح ما أفسد الدهر سواء من حيث ازدواجية المصالح و تضاربها من قبل العاملين في الدولة و يمتلكون شركات أو إفساح المجال للقضاء على التجارة المستترة !
فمعظم العاملين في الحكومة يمتلكون شركات تدار من العمالة الوافدة، فضلا عن إفساح المجال لضح كوادر وطنية في القطاع الحكومي بعد هذه الخطوة التي قد تفصل في أمور كثيرة و تعيد هيكلة الاقتصاد كأحد الوسائل التي سوف توفر فرص عمل لابناءنا من خريجي مؤسسات التعليم العالية ،ممن يمكنهم أن يضخوا دماء جديدة في شرايين العمل الحكومي و الخاص ، ويظهر لنا رجال أعمال حقيقيين من ريادة الأعمال، و ليس مجرد رجال اعمال مهميين على ورق و على يافطات المحلات في حين الوافد هو المالك الحقيقي للشركات ، فهل نحن مستعدون لهذه الخطوة ام اننا نجامل أنفسنا و نجعل الأوجاع تتورم، و نتراشق في الوات ساب و مواقع التواصل باتهامات متبادلة لا طال منها.
إن إعادة هيكلة العمل في البلاد يحتاج له قرارات جرئية تعالج الأخطاء و تصحح المسارات، وفصل بين الوظيفة و العمل الحكومي إحدى الخطوات التي يمكن أن تسهم في معالجة الاختلالات في العمل و ممارسة العمل الحر ، فاليوم هناك أغلب الموظفين العاملين في الحكومة و القطاع الخاص يمتلكون شركات عدة و هم موظفون في الوزارات و الهيئات و الشركات، فهؤلاء يشغلون وظائف عامة و يمارسون أعمالاً تجارية،وهناك احتمالات كثيرة قد تنتج عن هذه الازدواجية ، الأولى شغل وظيفة حكومية يمكن أن يشغلها زميله المواطن المحتاج للعمل، و ثانيا يتيح للوافد وظيفة كان بالإمكان أن يشغلها بدلا منه و يطور عمله الخاص، فهو يحرم مواطن و يتيح للوافد فرصة عمل...
الجانب الآخر في الفصل بين الوظيفة و العمل هو تضارب المصالح الكبير، فمن الطبيعي أن يستخدم موظف وظيفته لتحقيق مآرب خاصة سواء في الجهة التي يعمل بها و بشكل عير مباشر أو من خلال تبادل المنافع مع موظف آخر في جهة اخرى، ما يتيح له بعض الأعمال مقابل أيضا أن يأخذ زميله أعمال من الجهة التي يعمل بها، و يحرم الكثير من المستحقين و نكون بذلك هيأنا الظروف للفساد الإداري كي ينخر في مؤسساتنا.
و من شأن الفصل بين الوظيفة و ممارسة العمل أن يتيح آلاف من فرصة العمل للخريجين و الخريجات من مؤسسات التعليم العالي من السلطنة و خارجها، فأين سيذهب هؤلاء الخريجون اذا لم نهيئ لهم الفرص ونتيح لهم المجالات، فهذه أحد الخطوات، خاصة الذين لديهم أعمال و شركات قادرين على تدبير أنفسهم في سوق العمل و إدارة مؤسساتهم بدلا من مزاحمة الشباب، خاصة و ان البعض مضى عليه أكثر من عشرين عاما في العمل الحكومي.
الجانب الآخر أن هذه الخطوة سوف تنتج لنا رواد أعمال فاعلين و تسرع من وتيرة ريادة الأعمال الحقيقية، من خلال تفرغ آلاف من الموظفين في القطاعين العام و الخاص لأعمال، و بالتالي سيكون هناك توازن في سوق العمل، بل ستكون هناك جدية من أصحاب الأعمال في الوقوف على أعمالهم، بعد أن يتضح لهم بأنها مصدر رزقهم و ليس لهم غيرها، بخلاف الآن، هذه الشركات و الأعمال رديفة فقط، و تدار من الوافدين المستفيدين الحقيقين منها، في حين المواطن يأخذ فقط عمولة لا تتجاوز بضع ريالات.
و كذلك سوف تساهم هذه الخطوة في الحد من التجارة المستترة التي يئن منها الاقتصاد، فاليوم 90 بالمائة من شركاتنا تدار بواسطة العمالة الوافدة، لكن عندما نلزم الموظف بالتفرغ للوظيفة أو العمل الخاص فسوف يختار البعض العمل الخاص و يديره و يكافح من أجله بخلاف ما حاصل الآن، وهذا الإجراء سوف يفصل بين ممارسة العمل و الوظيفة حتى منذ البداية ليحدد المواطن مساره إما وظيفة أو عمل خاص.
قد يتأثر البعض من مثل هذا القرار و قد يعاني البعض الآخر، و لكنه علاج مستدام سوف يصلح الاختلالات في سوق العمل، ويصنع رواد أعمال حقيقين، و كذلك سيحدث نقلة نوعية في ممارسة العمل الحر في البلاد، فصناعة ريادة الأعمال الحقيقية الحاصلة الآن بطيئة جدا مقارنة مع العديد من المتغيرات سواء زيادة تدفق الخريجين في سوق العمل التي لا تتواكب مع الراغبين في ممارسة العمل الحر، و كذلك اغراءات الوظائف ما زالت تلقى بظلالها. على توجهات الخريجين و كل ذلك لا يساعد على صناعة ريادة الأعمال بصورة صحيحة، بل إن صاحب العمل إذا حصل على الوظيفة فسوف يترك عمله الخاص وهكذا نضيع الكثير بعدم الفصل بين الوظيفة و ممارسة العمل الخاص.
نأمل ان نتخذ خطوات عملية و قوية لتصحيح العديد من المسارات في الاقتصاد الوطني و تصحيح الاختلالات في سوق العمل، من خلال قرارات قوية تعيد صياغة الكثير من ممارساتنا الخاطئة و ترسم مستقبل واضح لابناءنا.