مسقط-ش
ولدت فاطمة إبراهيم، التي عرفت لاحقا باسم أم كلثوم، عام 1898 لأسرة فقيرة من الفلاحين المصريين في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية شمال مصر في عهد الدولة العثمانية. وأم كلثوم هي الشقيقة الكبرى الوحيدة لأخيها خالد الذي يصغرها بسنة واحدة والذي أصبح نشطا جدا خلال فترة نجوميتها.
ويعود الفضل الأول لوالدها الشيخ إبراهيم الذي لم يمنعه إيمانه وتقواه وتدينه أبدا من تشجيع ابنته على اقتفاء أثره في غناء القصائد والتواشيح في مديح النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام الجماهير وحضور الاحتفالات الدينية من أجل كسب لقمة العيش.
وعندما أصبحت في سن الثانية عشرة، تعرضت لمضايقات من عائلتها التي ذات الخلفية المتدينة حيث الغناء كان ممارسة مرفوضة باعتباره من المحرمات، ولذلك لم يكن أمام والدها أي خيار آخر سوى إلباسها ملابس الذكور.
ومن المفارقات في عصر شكسبير أنه في أحد مسرحياته كان الجزء الأنثوي يؤديه رجل مقنع.
وقد أظهرت أم كلثوم علامات مبكرة لصوتها الساحر لدرجة أنه في مرحلة ما يقال إن صديقها القوي الرئيس جمال عبد الناصر في ذلك الوقت وُجد يستمع إلى أغنية لها من الراديو وهو في حالة تشبه النشوة في حين كان كبار المسؤولين ينتظرون في قاعة الاجتماعات.
وفي سن السادسة عشرة، لاحظها المغني الشهير محمد أبو العلا الذي أخذ يعلمها غناء القصائد العربية القديمة، وبعد ذلك بسنوات قليلة، جاء ملحن وعازف عود آخر ودعاها إلى القاهرة، لتعيش في الحياة الفخمة في تلك المدينة المشهورة في ذلك الوقت بأنها "باريس العربية"، ولكن ذلك لم يغير شيئا من أصولها المتواضعة وحفاظها على صورتها العامة المحافظة.
وقد أدى أول نجاح لأم كلثوم إلى شهرتها الواسعة ثم قادها إلى الأداء الحي أمام الجماهير في مدن متقدمة مثل دمشق وبيروت وطرابلس وبغداد. وبعد ذلك بعامين، غنت أم كلثوم في افتتاح البث الإذاعي لإذاعة القاهرة وهو ما جعلها أكثر روعة ووضعها في دائرة الضوء.
ومع ذلك فقد واجهت منافسة شديدة من المطربات البارزات في ذلك الوقت، مثل منيرة المهدية وفتحية أحمد، ولكن هؤلاء المنافسات لم يظهرن قدرة كبرة على تحقيق ذلك اللقب الشعبي الذي حظيت به أم كلثوم باعتبارها "كوكب الشرق".
ظلت أم كلثوم تطرب الجماهير بأغانيها الحية على خشبة المسرح في الخميس الأول من كل شهر، وكان يستمع إليها ويشاهدها الآلاف في جميع أنحاء العالم العربي، وكانت ألبوماتها تباع بكميات كبيرة في جميع أنحاء العالم حتى وقتنا الحاضر.
وفي عام 1944 تم تكريمها بأعلى وسام وهو المعروف باسم "نيشان الكمال" والذي كان يتم منحه حصريا لأفراد الأسرة المالكة والسياسيين، وقد منحها هذا الوسام الملك فاروق بنفسه، ويقال إنها واجهت ذات مرة سؤالا فضوليا من بعض وسائل الإعلام حيث سألوها متى ستتقاعد، فردت ردا ذكيا قائلة: "عندما أرى مقعدا واحدا فارغ بين الجماهير".
لقد كان يتم حجز حفلاتها بالكامل وكنت تشاهد كبار الشخصيات من العالم العربي في المقدمة.
وخلال الحرب الباردة بين مصر و"إسرائيل"، علقت "تل أبيب" ساخرة: "لو أرادت أي دولة أن تغزو مصر فليكن ذلك يوم الخميس عندما ينصت الجميع لسماع أم كلثوم".
وقد تقدم شريف صبري باشا، خال الملك فاروق، للزواج من أم كلثوم ولكن لم يتم الزفاف وترك أم كلثوم منكسرة القلب ولكنها لم تتوقف أبدا عن غناء الألحان العاطفية والقومية وألحان الحب والشوق والحرمان، فتزوجت موسيقار ولكن للأسف انفصلت عنه بعد أيام قليلة، وكان الزواج الذي استمر هو زواجها من طبيب الأمراض الجلدية الذي كان يعالجها في عام 1954 والذي كان يصغرها بنحو 15 عاما وكان أحد معجبيها المخلصين، وعندما سئل عن كونه في الظل في حين أن زوجته في دائرة الضوء الكاملة، قال "أم كلثوم لا تحب الرجال الضعفاء أبدا"، بمعنى أنه كان يحظى باحترامها وحبها على الرغم من قلة اهتمام الناس به.
وعلى الرغم من شعبيتها وشهرتها لم تسلم من المرور بمراحل مختلفة من المرض، من مشاكل الكلى إلى التهاب العيون إلى التهاب الغدة الدرقية، وأخيرا فشل في القلب في فبراير عام 1975 أي بعد عامين من الغياب العام.
وقد تم إجراء جنازة رسمية مهيبة وكبيرة لها، حيث ظل نعشها محمولا على مدى ثلاث ساعات كاملة يلقي المشيعون على موكبها الزهور.
وكلمة أم كلثوم تعني ممتلئة لحم الخدين والوجه، وهو الاسم المثالي لها حيث كانت تعرف في جميع أنحاء مصر بأنها "صوت مصر" وكانت حفلات يوم الخميس تجعل الرؤساء وكبار الشخصيات حريصين على الاستماع إلى أكبر نجوم الغناء وأكثرهم تواضعا.
وذات مرة صرخت جيهان السادات في وجهها قائلة: "الرئيس، اسمه الرئيس، وليس أنور!" وعند سماع ذلك، غضب الرئيس أنور السادات من زوجته واعتذر شخصيا لأم كلثوم.
واليوم تحل الذكرى الأربعين لوفاة كوكب الشرق، وهي الذكرى التي يطلق عليها معجبوها اسم "فبراير الأسود".
وبعد عقود على رحيلها لا تزال أم كلثوم تحظى بالمحبة والثناء بغض النظر عن البلد أو القبيلة أو الدين أو العرق. لقد ولدت فتاة فقيرة عظيمة وعاشت حياة متواضعة ودفنت كأسطورة لا تنسى.