فرانك والتر شتاينماير
أفضت الهجمات الإرهابية في باريس في 13 نوفمبر ــ والتي طعنت القلوب في فرنسا وعموم أوروبا ــ إلى وضع التهديد الذي يمثله تنظيم (داعش) في صدارة جدول أعمال السياسة الخارجية. وبالنسبة لي، لا يمكن أن يكون الرد على هذه الاعتداءات إغلاق أبوابنا وسد نوافذنا. فالتخلي عن نمط حياتنا وعن مجتمعاتنا المنفتحة مثله مثل منح الإرهابيين اليد العليا.
وعلى ردنا أن يكون، في المقام الأول، ردا سياسيا: أي مزيد من اليقظة في الداخل ومزيد من التعاون المكثف مع الجهات الأمنية لشركائنا. وعلينا في الغرب الصمود في محاربة الإقصاء الاجتماعي الذي يُفَرِخ الاغتراب، أي مضاعفة جهودنا لإدماج المسلمين والمهاجرين الآخرين على الأصعدة كافة. وعلينا، في ذات الوقت، صد الشر الذي يمثله تنظيم داعش في ذات الأماكن التي بدأ فيها: في العراق وسوريا.
لقد وعدت ألمانيا، في الليلة التي شهدت هجمات باريس، فرنسا بوقوفنا إلى جانبها. ولقد قررنا مؤخرا أن مسئوليتنا في الحفاظ على هذا الوعد تتضمن المساهمة العسكرية في القضاء على تنظيم داعش.
ونحن جميعا، بالطبع، نعلم أنه لا يمكن هزيمة الإرهاب بالقنابل فقط. ولكننا نعلم أيضا أنه لا يمكن القضاء على التهديد الذي يمثله تنظيم داعش دون الوسائل العسكرية، وأنه ما لم يتم التصدي لتنظيم داعش عسكريا، فقد لا يبقى شيئا بعد عام يمكن على أساسه بناء حل سياسي لا في سوريا ولا في العراق.
لقد قضيت مؤخرا يومين في العراق، وفي العام المنصرم تم بنجاح إبعاد داعش خارج ربع الأراضي التي كان يسيطر عليها في السابق. بيد أن على كاهلنا تقع الآن أشد المهام صعوبة. ويعتمد نجاح استراتيجيتنا العسكرية على ثلاث عناصر حاسمة.
أولا، تقديم الدعم للذين يواجهون التنظيم. ولا يخلو قرار ألمانيا في الصيف المنصرم بتزويد البيشماركة الكردية بالسلاح والذخيرة من مخاطر، ولكنها كانت خطوة في الاتجاه الصحيح. وفي نوفمبر، وأيضا بفضل الدعم الألماني، حررت قوات البيشماركة مدينة سنجار، تلك المدينة التي ارتكب فيها تنظيم داعش في الصيف المنصرم مجازر مروعة ضد اليزيديين. ولم يكن من الممكن وقف تقدم التنظيم دون الضربات الجوية للحلفاء.
وثانيا: علمتنا نزاعاتنا السابقة كم هو مهم استعادة ثقة الناس في المناطق المحررة من ربقة التنظيم، وإلى هذا يعود السبب في استثمارنا الرامي لاستقرار هذه المناطق وإعادة بناء قوات الشرطة والمدارس وشبكات الكهرباء وإمدادات المياه. وبفضل المساعدة الألمانية، تمكن أكثر من 150 ألف شخص من العودة لديارهم بعد تحرير مدينة تكريت.
والعنصر الثالث في هذه الاستراتيجية هو أصعب العناصر ولكنه أهمها. إذ يمكن، على المدى البعيد، التغلب على النزاعات والفوضى التي مكنت تنظيم داعش من الانتشار، في المقام الأول، وفقط، إذا امتلكت كل الفئات السكانية في العراق وسوريا منظورا سياسيا مشتركا.
وفي العراق دشن رئيس الوزراء حيدر العبادي برنامج إصلاح شجاعا لتمهيد الطريق صوب مشاركة سُنّية سياسية أكبر. أما في سوريا، فهذا التقدم السياسي، بلا شك، بعيد المنال، ومع ذلك، علينا بذل كل ما بوسعنا من جهود للعمل في هذا الاتجاه.
وتتصدر السياسية الخارجية الألمانية طليعة هذه الجهود. ولقد أجريتُ في العام المنصرم عددا لا حصر له من المباحثات (التي كانت غالبا شاقة) في الرياض وطهران وأنقره وبيروت وعمان وفيينا لردم الفجوات بين دول المنطقة ــ وبالتالي كبح جماح قواتها بالوكالة التي تقاتل بعضها بعضا في سوريا.
وأشعر بالارتياح إزاء نجاحنا، للمرة الأولى بعد مضي قرابة خمسة أعوام من الحرب الأهلية، في ردم الفجوة بين كل الدول الرئيسية وجمعها للجلوس على طاولة المفاوضات في فيينا والاتفاق على خريطة طريق لوقف إطلاق النار وبدء عملية الانتقال السياسي. ومن المبكر جدا الاحتفال بهذا، ومع ذلك يلوح أخيرا طيف اتفاق الحد الأدنى ــ الذي لا يقتصر على موافقة روسيا والولايات المتحدة، بل أيضا إيران والمملكة العربية السعودية ــ على الطريق قدما صوب وضع حل للنزاع السوري. وكان اجتماع مجموعات المعارضة السورية في الرياض في ديسمبر الخطوة الأولى على هذا الطريق.
سوف يكون التوصل إلى اتفاق سياسي رحلة طويلة وشاقة، بينما لا نتحكم كلية في النتائج التي قد يفضي إليها ذلك. ولبعض الشركاء الذين نحتاج إليهم مصالح مختلفة تماما عن مصالحنا، وبعضهم في خلاف مع البعض الآخر.
بيد أن الشكوى من الوضع المعقد في سوريا لا يجب أن تكون بديلا عن العمل. ولا يمكن اتخاذ حقيقة أن بعض الوقائع السياسية لا تتناسب مع "قالب صديقي اللدود" كذريعة للجلوس والانتظار حتى تحل الخصومات والنزاعات نفسها بنفسها أو حتى لا يتبقى هناك دولة ومؤسسات سورية لإنقاذها.
وتؤكد المفاوضات الناجحة لاحتواء البرنامج النووي الإيراني أن الدبلوماسية المثابرة حسنة النية بوسعها التوصل لنتائج. وفي ليبيا أيضا، مع دبلوماسي ألماني محنك يترأس المباحثات التي تجري برعاية الأمم المتحدة، أمامنا فرصة للتوصل إلى مسار سياسي واستعادة الدولة المنظمة.
وعلينا نحن كصُنَاع سياسة خارجية مواجهة الواقع، بكل اللبس الذي يشوبه، وتحمل المسئولية عن أفعالنا وعن تقاعسنا على حد سواء ــ حتى حين تتواري ضمانات نجاح أي طريق. ومن المهم الآن أكثر من أي وقت مضي أن نكون على يقين من صحة الدرب الذي نسلكه. فلن يكون بوسعنا مواجهة تنظيم داعش والتهديد الذي يمثله الإرهاب المتأسلم بسحب الجسر المتحرك، فما نحتاج إليه هو المثابرة واستراتيجية سياسية تدمج دمجا دقيقا بين العنصر العسكري والعنصر الإنساني والدبلوماسي.
وزير الخارجية الألماني.