إلانجاز الخارجي لواشنطن

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٦/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٣٠ ص
إلانجاز الخارجي لواشنطن

ريتشارد ن. هاس

كثيراً ما يُستشهَد بمقولة المخرج السينمائي وودي ألن "إن الظهور يمثل 80% من الحياة". وربما يعترض المرء على النسبة المئوية، ولكن رؤية ألن ليست بلا أهمية: إذ يتعين على المرء أن يدخل في اللعبة ــ أن يكون لاعبا ــ لكي يحظى بأي فرصة لتحقيق أهدافه.
ويصدق نفس القول على الشؤون العالمية. فإذا كان الظهور يمثل 80% من الحياة، فإن المتابعة تمثل80% على الأقل من السياسة الخارجية. صحيح أن الخطط الذكية والنوايا الحسنة ومهارات التفاوض القوية تشكل ضرورة أساسية، لكنها لا تكون كافية أبدا ــ ولا حتى من قريب. فكما هي الحال مع الأعمال التجارية، والتعليم، وكثير من أمور الحياة، يتمثل أغلب ما قد يجعل السياسة الخارجية ناجحة ــ أو فاشلة ــ في التنفيذ والإنجاز.
وسوف تخضع هذه الملاحظة للاختبار أكثر من مرة في عام 2016 وما يليه من أعوام. وتُعَد الشراكة عبر المحيط الهادئ، اتفاقية التجارة التي وقعت عليها في أكتوبر 12 دولة مطلة على المحيط الهادئ في آسيا والأميركيتين، مثالاً بارزاً في هذا الصدد. فإذا دخل الاتفاق حيز التنفيذ فسوف يعمل على توسيع التجارة العالمية، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتقوية علاقات الولايات المتحدة بالحلفاء الإقليميين الذين كانوا ليستسلموا لولا ذلك لإغراء الاقتراب من الصين.
بيد أن دخول الاتفاق حيز التنفيذ يتوقف على التصديق عليه من قِبَل أغلب الهيئات التشريعية في البلدان الموقعة عليه. وسوف تكون النتيجة في الولايات المتحدة، وهي الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، واليابان صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، مؤثرة بشكل خاص. والواقع أن الجميع يراقبون في انتظار ما قد يحدث في الولايات المتحدة.
ولكن الحصول على موافقة الكونجرس الأميركي أمر غير مؤكد على الإطلاق، خاصة وأن المرشحين الرئاسيين ــ كل المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين البارزين ــ هاجموا الاتفاق. وسوف تكون نتائج التصويت، إذا حدث، متقاربة إلى حد كبير، والواقع أن المخاطر مرتفعة، ذلك أن الفشل في التصديق على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ من شأنه أن يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فعالية أميركا على الساحة السياسية وقدرتها على العمل كشريك يمكن الاعتماد عليه من قِبَل حلفائه.
وسوف يكون الاختبار الثاني في سوريا، التي يمكننا أن نعتبرها الفشل الدولي الأكبر في السنوات الأخيرة. ففي ديسمبر تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 2254، والذي يؤسس لإطار سياسي لإنهاء الحرب الأهلية التي ظلت مستعرة طوال خمس سنوات تقريبا، والتي حصدت أرواح ما يقرب من 300 ألف إنسان وتسببت في نزوح الملايين الذين تحولوا إلى لاجئين.
بيد أن الإطار ليس أكثر من مخطط عريض. وفي حالتنا هذه كان أقل من ذلك، لأن القرار التزم الصمت بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد السياسي وتوقيت رحيله. كما أثار القرار تساؤلات أكثر من تلك التي أجاب عليها بشأن أي من جماعات المعارضة قد تشارك في المفاوضات. ونظراً للانقسامات العديدة داخل سوريا وبين جيرانها، فإن الانتقال من القرار إلى وقف إطلاق النار والتسوية السياسية من المرجح أن يستغرق سنوات ــ بل إن حتى هذا التقييم ربما يكون مفرطاً في التفاؤل.
وينشأ اختبار ثالث للدبلوماسيين من اتفاق المناخ الذي تم التوصل إليه في باريس في ديسمبر. يشمل الاتفاق تعهدات طوعية من قِبَل الحكومات لا ترقى إلى أكثر من وعود ببذل أقصى جهد ممكن. وفي كثير من الحالات، يفتقر الأمر إلى التحديد بشأن ما يتوجب على أطراف الاتفاق أن تقوم به. ولأن الاتفاق ليس مُلزِماً للموقعين عليه قانونا، فإن العقوبة الوحيدة التي يسمح بها هي "التشهير" بالدول التي تفشل في الالتزام بتعهداتها.
كما ينشأ اختبار رابع من الاتفاق الذي وقعت عليه خلال الصيف الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وألمانيا، وإيران والذي يقضي بتقييد البرنامج النووي الإيراني. فمن المؤكد أن خلافات عديدة سوف تنشأ حول مدى التزام الأطراف عموما، وإيران بشكل خاص، بتنفيذ التزاماتها. ولعل الأمر الأكثر أهمية يتمثل في ضرورة اتخاذ خطوات لطمأنة جيران إيران حتى لا يستسلموا لإغراء ملاحقة برامج نووية خاصة بهم. وعند نقطة ما، سوف يشمل تحدي التنفيذ اتخاذ تدابير إضافية لضمان عدم إقدام إيران على تطوير أسلحة نووية بعد انتهاء العمل بالبرامج المحددة.
وبوسعنا أن نتعلم بضعة دروس من كل هذا. فبادئ ذي بدء، وبرغم أن التوصل إلى اتفاقات دولية نادراً ما يتم بسهولة، لا ينبغي لأحد أن يبني آمالاً كبرى على حفل التوقيع. فلابد أن يتمكن المفاوضون من توظيف الدعم الكامل من قِبَل حكوماتهم، ولا تتم مثل هذه العملية تلقائياً أبدا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بديمقراطيات مثل الولايات المتحدة، حيث تسيطر أحزاب سياسية مختلفة غالباً على أفرع مختلفة من الحكومة.
وتتلخص حقيقة ثانية في المقايضة الحتمية بين المفاوضات والتنفيذ. ففي كثير من الحالات، لا يتسنى التوصل إلى اتفاق إلا بترك تفاصيل مهمة دون حل ولكن مثل هذا "الغموض الخلّاق" يضمن أيضاً أن مرحلة التنفيذ ستكون أكثر صعوبة، حيث يصبح من الواجب بشكل مفاجئ البت في الاختيارات المؤجلة.
وثالثا، سوف تنشأ حتماً لحظات عندما يتقاعس طرف أو آخر عن تنفيذ الاتفاق على النحو اللائق. وقد يثبت التعامل مع حالات عدم الامتثال المزعومة كونه أمراً لا يقل صعوبة وإرهاقاً عن التفاوض الأصلي.
وهو ما يعيدنا إلى حيث بدأنا. الواقع أن الاتفاقات الدولية الكبرى الأربعة التي تم التوصل إليها في عام 2015 ــ الشراكة عبر المحيط الهادئ، وقرار مجلس الأمن بشأن سوريا، واتفاق المناخ في باريس، واتفاق إيران النووي ــ تطلبت بذل جهود مضنية في التفاوض. ولا شك أن إنجاح هذه الاتفاقات في عام 2016 وما يليه سوف يكون أشد صعوبة. وكما كان وودي ألن ليخبرنا، فإن الأمر أقرب إلى الفارق بين كتابة سيناريو فيلم وإخراجه فعليا.
رئيس مجلس العلاقات الخارجية.