فريد احمد حسن
يحدث في بعض دول العالم وفي مناسبات معينة أن يتم الإيعاز إلى المسؤولين لإخراج مجموعات من فئات الشعب من مختلف الأعمار إلى الشارع أو إلى مكان ما من المقرر أن يمر فيه الحاكم أو يوجد فيه. والفكرة هي أن يتم إظهار الحاكم على أنه محبوب ويحظى بشعبية كبيرة، حيث يتم إبراز ذلك عبر مختلف وسائل الإعلام وعلى الخصوص التلفزيون.
في إحدى السنوات كنت أحضر مؤتمرا في إحدى البلاد العربية وكان الجميع موجودا في القاعة يوم الافتتاح ينتظر الحاكم الذي سيلقي كلمة بالمناسبة، لكن الحاكم تأخر نحو ساعة كاملة قبل أن يدخل، فكان السؤال الذي يدور في رؤوس الحاضرين هو لماذا تأخر؟ خصوصاً وأن الجميع علم أنه وصل إلى الموقع في الوقت المحدد؟ الجواب توفر مساء عندما تابع الجميع الفيلم الذي عرضه التلفزيون وسجل لحظة وصوله إلى المكان حتى لحظة دخوله القاعة، حيث أظهر الفيلم كيف أنه كان يحيي في تلك الساعة الآلاف من مواطنيه الذين «توافدوا» إلى المكان كي يكحلوا أعينهم برؤية حاكمهم ويهتفوا باسمه ويدعوا له بالخير.
استكمالا لتلك الصورة لعل من المهم الإشارة إلى أن جزءا من الجمهور الحاضر في القاعة كانت مهمته التصفيق بحرارة في نهاية كل فقرة من الكلمة التي كان يلقيها الحاكم والهتاف باسمه بحماس شديد وبصوت يصم الآذان. وكذلك الإشارة إلى أن الجميع كان قد لاحظ توفر أعداد كبيرة من الجمهور عند خروجه، ولاحظ أعدادا كبيرة من الحافلات تنتظر في مكان قريب لنقل الجمهور.
ما عرف بالربيع العربي كشف بعد ذلك أمورا كثيرة لم يكن يجرؤ المرء على كشفها وأكد أن كثيرا من تلك المشاهد كان يتم اختلاقها عنوة، ما يعني أنه لم يكن في الحقيقة أي ود بين المحكوم والحاكم.
المشهد نفسه لا بد أن آخرين حضروه في دول أخرى وشاهدوا كيف أنه يتم إرغام بعض الشعوب على التعبير عن حبهم وولائهم للحاكم رغم أن العالم كله يعرف أن الود بين الطرفين مقطوع وأن كل المشاهد التي يراها لا تعبر عن الواقع وأن الحقيقة مختلفة.
اقرأ أيضا: عُمان والتحالف الإسلامي
مع بعض الاستثناءات العربية يمكن القول إن المشاهد من هذا النوع، الحقيقية، تتوفر بقوة في سلطنة عمان، حيث من يخرج من المواطنين إلى الشارع يخرج برغبته وبإرادته وللتعبير عن حبه الحقيقي وولائه للحاكم، وهذا أمر يشهده العالم كله ويعرف أنه حقيقة، ففي عُمان لا يتم الإيعاز للمسؤولين لإخراج الشعب إلى الشارع، ولا يتم الإيعاز للشعب ليقول ما يراد منه قوله.
قبل حين شاهدت فيديو قصير يبين لحظة خروج صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم من مقر إقامته قاصدا مكانا ما، ولفتني أن أعدادا من العمانيين كانوا واقفين ينتظرون تلك اللحظة ليحيوا جلالته عند مرور الموكب السلطاني وأن بعضهم سعى إلى الركض وراء الموكب. كل من شاهد ذلك الفيلم الذي انتشر بشكل واسع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أجزم بأن من حضروا في المكان حضروا برغبتهم وأنهم بإرادتهم رفعوا أيديهم ليحيوا صاحب الجلالة وأنهم هتفوا باسمه محبين. والأكيد أنهم تركوا المكان وهم مرتاحين وراضين مما قاموا به.
هذا فارق مهم، يدونه التاريخ باهتمام كبير، ويحفظ لصاحب الجلالة السلطان المعظم تفرده بحب هذا الشعب الذي يدعو له ليل نهار بالصحة والعافية وطول العمر، فالشعب العماني يقدر كل ما أنجزه صاحب الجلالة على مدى العقود الأربعة الأخيرة ويعتبر وجوده في موقع القيادة طوال هذه الفترة نعمة من رب العالمين تستحق الحمد والشكر.
قبل أيام أظهر محرك البحث «جوجل» أن صور السلطان قابوس -حفظه الله- تعد من أكثر الصور التي يتم تداولها من بين صور ملوك وحكام العالم، وهو ما يعتبر دليلا على حب الشعب العماني لقائده، حيث الأكيد أنه لا ينشر أحد صور حاكم بلاده في مواقع التواصل الاجتماعي إلا وهو مقتنع بما يفعل وصادق في فعله لأنه من الأساس ليس مجبرا على القيام بهذا الأمر. والأمر نفسه فيما يخص اختيار صورة صاحب الجلالة من قبل الكثير من العمانيين لتكون الأيقونة الخاصة بحساباتهم في تلك الوسائل الحديثة.
عندما يخرج المواطنون من تلقاء أنفسهم ليحيوا الحاكم فإن هذا يعني أنهم يقدرونه ويدركون أهمية كل ما قام ويقوم به من أجلهم ومن أجل الارتقاء بحياتهم، أي أنهم خرجوا لأنهم يحبونه وليقولوا له أمام العالم أجمع وبصوت جهور إنهم يحبونه، أما المواطنون الذين يوعز إليهم ليخرجوا ويهتفوا باسم الحاكم فيعرفون جيدا أنهم إنما يفعلون ذلك مرغمين وأنهم لا يعبرون عن مشاعرهم بصدق وأنهم يفعلون ذلك لأنهم خائفون وليس لأنهم محبون. هذا فارق مهم جدا، والفارق الآخر هو أن الحاكم في الحالتين يعرف تماما ما إذا كان الجمهور الذي خرج لاستقباله وهتف باسمه صادق أم كاذب.
في عُمان يعبر المواطنون عن مشاعرهم تجاه قائدهم بصدق وعفوية، وفي عُمان يعرف جلالة السلطان المعظم أن ما يراه وما يسمعه من المواطنين العمانيين نابع من قلوبهم وأنهم صادقون في مشاعرهم وأنهم محبون له وأن دعواتهم له بالتوفيق وبالصحة وبطول العمر صادقة وحقيقية. والأكيد أن أحدا لا يستغرب من المعلومة التي وفرها «جوجل»، فصور قائد السلطنة هي الأكثر تداولا بين صور الحكام.
كاتب بحريني