غازي السعدي
مع أنهما جاءا متأخران وعشية نهاية ولاية الرئيس "باراك أوباما" في البيت الأبيض، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم "2334"، من تاريخ 23-12-2017 وما جاء فيه، ورؤيا الإدارة الأمريكية التي جاءت على لسان وزير الخارجية "جون كيري"، بتاريخ "28-12-2016"، والتي استغرق إلقاؤها (70) دقيقة، يمكن اعتبارها صفحة جديدة في الصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وكأنهما بطاقة معايدة عشية السنة الجديدة للعام 2017 للشعب الفلسطيني، أديا إلى هزة عنيفة وغضب عارم لحكومة اليمين الاستيطانية، يمكننا تلمس أهميتها من مضمونها، ومن ردود الفعل الهستيرية لأحزاب اليمين، في المقابل حملت أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلية مسؤولية هذا التحول الدولي لصالح الفلسطينيين لسياسة الحكومة الإسرائيلية التي فضلت الاستيطان والتوسع على حساب السلام والاستقرار.
إن التحليل لقرار مجلس الأمن، وما احتواه من مضمون، وقراءة ما بين سطوره من أهمية، وهو الأول الذي امتنعت فيه الولايات المتحدة عن استخدام حق الـ "فيتو" لإجهاضه، ولإتاحة الفرصة لإقراره، ما مكن وزير الخارجية "جون كيري" من الإدلاء برؤيا الولايات المتحدة بوضع خارطة عملية لحل الصراع، كان لابد من إنجاز هذا القرار وهذه الرؤيا، بعد فشل مفاوضات الأشهر التسعة بين إسرائيل والفلسطينيين، وبرعاية أمريكية، مما أضاع وقتاً ثميناً، وأن تأكيد هذا القرار، وما جاء به من مضمون، عودته ليؤكد قراراته السابقة ذات العلاقة بالشأن الفلسطيني، وبعدم شرعية الاستيطان حسب القرارات التالية: "242" من العام 1967، "338" للعام 1973، "446" للعام 1979، "452" للعام 1979 أيضاً، قرار رقم (8) للعام 1980، قرار (47) للعام 1980 وقرار "476" للعام 1980 قرار (1397) للعام 2002، قرار "1515" للعام 2003، قرار "1850" للعام 2008، إلا أن إسرائيل ضربت بجميع هذا القرارات عرض الحائط، اعتماداً على مواقف الولايات المتحدة المتواطئة مع إسرائيل.
إن قرارات الأمم المتحدة المتراكمة، تؤكد على بطلان الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وعدم شرعية الاستيطان منذ بدايته وحتى اليوم، وما يزيد في أهميته، إلغاء رسالة الرئيس الأمريكي "بوش الابن"، بتعهده لرئيس الحكومة "أرئيل شارون" بإعطائه الضوء الأخضر للاستيطان، على عكس قرارات الشرعية الدولية، من أن الاستيطان انتهاك للقانون الدولي، وعقبة في وجه السلام، فأهمية قرار مجلس الأمن "2334"، أنه لا يعترف بأي تغيير في الأراضي الفلسطينية، سوى الذي تم تحديده في المفاوضات بين الجانبين، ومما أثار سلطات الاحتلال، دعوة "كيري" إلى مقاطعة التعامل مع المستوطنات، بل والدعوة لمقاطعتها، ويؤكد القرار على أن إسرائيل دولة احتلال، ويدعو إلى حل الدولتين، والأرض مقابل السلام كما جاء في قرارات الأمم المتحدة "248" و"338"، و"194".
قرار مجلس الأمن يشجع منظمة "بي.دي.سي" وهي منظمة المقاطعة والعقوبات، بدعوتها لمقاطعة منتجات المستوطنات، بل وجميع النشاط الإسرائيلي الاقتصادي وغير الاقتصادي للمستوطنات، كما يدعو القرار إلى تشجيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، لكن ما ينقص القرار، عدم إدراجه بالفصل السابع الملزم، الذي يفرض العقوبات على إسرائيل، بل ‘نه أدرج بالفصل السادس غير الملزم، واكتفى القرار بالطلب من أمين عام الأمم المتحدة، تقديم تقرير حول تنفيذ أو عدم تنفيذ القرار من قبل إسرائيل كل ثلاثة شهور.
إن أكثر ما يزعج إسرائيل من قرار مجلس الأمن، الذي أدخلها في هستيريا، التحول في الموقف الأمريكي، كما أنها منزعجة من قرار مجلس الأمن الذي اتخذ بالإجماع، وتعتبره خطيراً، فهو القرار الأول الذي يشير إلى حدود الرابع من حزيران 1967 كأساس للمفاوضات، متجاهلاً قرار (242) الذي يدعو إلى التفاوض، على أساس حدود آمنة ومعترف بها، والقرار يشير إلى أن الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، أراضي محتلة، غير أن خطاب "كيري" يتضمن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وهذا ما يرفضه الفلسطينيون، كما أن القبول باستملاك إسرائيل لأراضٍ فلسطينية بالقوة، والتأكيد على أن إسرائيل دولة محتلة، عليها الانصياع لمسؤولياتها والتزاماتها القضائية وفقاً لميثاق جنيف الرابع، الذي يتطرق لحماية المدنيين في فترات الحرب، حيث اتخذ هذا الميثاق في الثاني عشر من شهر أغسطس 1949، والذي يشجب جميع القرارات التي ترمي لتغيير التركيبة الديمغرافية في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وبعد إقامة المستوطنات، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وعدم انتهاك القانون الإنساني الدولي، كما يشجب أعمال العنف من قبل المستوطنين، وجميع أعمال التحريض والتدمير.
"نتنياهو" الذي يتعرض لتحقيق جنائي في هذا الأيام بتهمة الفساد، وفي محاولته التهرب من قرار مجلس الأمن وخطاب "كيري"، الذي هاجمه باختيار مهاجمة إسرائيل واتهمه بتقديم معادلة خلافية كاذبة، بينما المنطقة تشتعل، وأن "كيري" اختار مواجهة إسرائيل، وانتقد "كيري" الذي جاء في خطابه، أن كل من يؤمن جدياً بالسلام لا يمكنه أن يتجاهل حقيقة التهديد الذي تشكله المستوطنات للحفاظ على حل الدولتين، و"كيري" اتهم إسرائيل أن لديها مشروعا لضم الضفة الغربية لإسرائيل وعرقلة الحل وأي تنمية فلسطينية فيها، أما "نتنياهو" المخادع ولا علاقة لأقواله بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فاتهم الإدارة الأمريكية بعدم معالجة "الإرهاب" الفلسطيني، "وهو نضال فلسطيني مشروع ضد الاحتلال ومن أجل حقوق الشعب الفلسطيني التي تتنكر له إسرائيل،"، وبحسب "نتنياهو" إن الإدارة الأمريكية بدلاً من شجب الاستيطان في القدس والضفة الغربية، كان عليها وقف الاستيطان نهائيا، لأصبحت فرص السلام عندها أفضل وتسير إلى الأمام، طالباً من الإدارة الأمريكية عدم السماح باتخاذ قرارات ضارة أخرى في مجلس الأمن مطالبا إياها بالتوقف عن هذه الألعاب.
"نتنياهو" الذي يهاجم القرار وخطاب "كيري" لا يترك كبيرة أو صغيرة دون التعليق عليها، لكنه يتجاهل تصريحات الوزير نفتالي بينت الذي يعلن أنه لن تقوم دولة فلسطينية وكرر ذلك مرات، وتصريحات وزير الزراعة "أوري أرئيل" الذي يقول إن كل شيء سيتغير بعد تولي الرئيس المنتخب "دونالد ترامب"، سلطته لأنه يتفق مع أقوالهما، حتى يدرك الفلسطينيون عدم الفائدة مما فعلوه، وللأسف أن رئيسة الوزراء البريطانية انضمت إلى هذه الجوقة، بدلا من الاعتذار عن وعد بلفور، فإن بريطانيا التي صوتت مع قرار مجلس الأمن آنف الذكر، خضعت لإسرائيل، وبدلاً من مهاجمة "نتنياهو" الذي قاصصها بإلغاء اجتماعه معها لموقف مندوبها في مجلس الأمن، وبدلاً من ذلك هاجمت خطاب "كيري" المنسجم مع قرار مجلس الأمن" فـ"نتنياهو" رد على القرار بالمزيد من البناء الاستيطاني، وعليه فإن على القيادة الفلسطينية إعداد أوراقها لجميع الاحتمالات، من اللجوء إلى المحكمة الدولية، أو غير ذلك من الوسائل المتاحة، ولمواقف الولايات المتحدة المدافعة عن إسرائيل تاريخياً، وأننا لا نتوقع تغيير هذه السياسة في المرحلة القادمة، فهل الرئيس "ترامب" سيتبنى نفس المواقف الأمريكية الداعمة لإسرائيل في جميع المجالات؟ أم أنه سيخيب الأمل الذي تبنيه إسرائيل عليه، ويختار سياسة حكيمة ومعتدلة تتفق مع مواقف دول العالم؟