قطع شرايين الحياة الممدودة إلى داعش

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٠/يناير/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
قطع شرايين الحياة الممدودة إلى داعش

لورنزو كامل

أثار سقوط مدينة حَلَب الشهر الفائت بين أيدي قوات الرئيس السوري بشار الأسد المدعومة من روسيا موجة أخرى من المناقشات حول احتمالات إنهاء الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. فعلى الرغم من وقف إطلاق النار مؤخرا في عموم البلاد بين قوات الأسد ومعظم المجموعات المتمردة، والذي تكفله تركيا وروسيا، يبدو أن أغلب المراقبين يُجمِعون على أن الصراع لا يزال بعيدا عن نهايته. ذلك أن تنظيم (داعش) لم يوافق على أي شيء - ولن يفعل.
هؤلاء المراقبين محقون بشأن أمر واحد: فلن تنتهي الحرب في سوريا قبل إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش. ولكن الاعتقاد الذي يعتنقه كثيرون بأن سقوط الرقة -المدينة التي أعلنها تنظم داعش عاصمة له- كفيل بتحقيق هذه الغاية يجانبه الصواب بصراحة شديدة.
من المؤكد أن الرِقة، تُعَد على حد تعبير المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو، "مركز قيادة العمليات" للهجمات الإرهابية التي يشنها تنظيم داعش، مثل قتل 12 شخصا في أحد أسواق عيد الميلاد في برلين الشهر الفائت، أو قتل 39 شخصا في ملهى ليلي في إسطنبول في رأس السنة الميلادية الجديدة. ولكن الاستنتاج الذي توصل إليه فيليو وغيره بأن سقوط الرقة هو المفتاح إلى إنهاء الهجمات على أوروبا يخلط بين أسباب وأعراض وحلول الحرب الأهلية السورية. فعلى الرغم من الارتباط المؤكد بين آفاق تنظيم داعش في الأمد القريب ومصير الرقة، فسوف يتحدد مصير التنظيم وقدرته على البقاء والتأثير في الأحداث في الأمد البعيد على بُعد آلاف الأميال في الأرجح.

ومن منظور التحرك الميداني، سوف يتقرر مستقبل تنظيم داعش إلى حد كبير في تونس، فهي الدولة التي أرسلت معظم المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق، وهي مسقط رأس منفذ الهجوم الإرهابي في برلين. ويعكس هذا جزئيا فشل السلطات في إيجاد القدر الكافي من الفرص الاقتصادية لسكانها من الشباب، في وقت حيث أدى التحول الديمقراطي الناشئ في البلاد إلى رفع سقف التوقعات. وكما شرح لي في العام 2015 شمس الطالبي، وهو رجل في الخامسة والخمسين من العمر ويقطن مدينة القصرين المبتلاة بالفقر، "ينظر كثير من الشباب في منطقتنا إلى تنظيم داعش باعتباره وسيلة لاستعادة كرامتهم".
وعلى هذا، فإن الحد من أعداد المقاتلين الذين يتدفقون للانضمام إلى صوف تنظيم داعش يستلزم إدماج المناطق المهمشة اقتصاديا واجتماعيا. وإلا فإن الشباب التونسي (وغيرهم) سيستمرون في الاستسلام لليأس إلى الحد الذي يجعل الجماعات الإجرامية مثل تنظيم داعش تبدو وكأنها المعادِل الاقتصادي الاجتماعي الأكثر جدارة بالثقة.
كما يرتبط مستقبل تنظيم داعش إلى حد كبير بفرنسا، الدولة الأوروبية التي تمد المجموعة بأغلب المقاتلين وهي الحقيقة التي تعكس في الأرجح هيئتها العلمانية العدوانية. ففرنسا واحدة من دولتين فقط في أوروبا (بلجيكا هي الدولة الأخرى) تحظران النقاب الكامل في المدارس العامة. وهي الدولة الوحيدة في أوروبا الغربية (عدا بلجيكا) التي لا تحصل على أعلى تصنيف للديمقراطية، وفقا لبيانات بوليتي. ذلك أن 70 % من نزلاء السجون في فرنسا من المسلمين. وكل هذا يصب في يد القائمين على تجنيد المتطرفين.
يتمثل المحدد الأساسي الأخير لقدرة تنظيم داعش على البقاء في استعداد الدول، وخاصة في الغرب (والولايات المتحدة على وجه الخصوص)، للاعتراف أخيرا بأن الأنظمة القمعية تمثل جزءا من المشكلة، وليس جزءا من الحل. وكما سأل جنرال إسرائيلي سابق في العام 2015 مايكل أورين، سفير بلاده السابق إلى الولايات المتحدة: "لماذا لا يواجه الأمريكيون الحقيقة؟ لكي يتسنى لهم الدفاع عن الحرية الغربية، يتعين عليهم أن يحافظوا على الطغيان في الشرق الأوسط".
سوف يكون سقوط الرقة دليلا على انتصار كبير على تنظيم داعش. ولكن سقوطها لن يعني نهاية هذه الجماعة أو هجماتها العنيفة، والتي ستستمر بكل تأكيد، وربما في أشكال جديدة. ولإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش إلى الأبد، ينبغي لنا أن نعترف بالمصادر العديدة التي تسمح له بالبقاء ونقضي عليها.

لورنزو كامل مؤرخ في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة فرايبورج وكبير زملاء معهد الشؤون الدولية (IAI) وزميل غير مقيم في مركز جامعة هارفارد لدراسات الشرق الأوسط (CMES)