الحب والغيرة بعيداً عن السياسة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
الحب والغيرة

بعيداً عن السياسة

أحمد المرشد

ربما نخرج اليوم بعيداً عن السياسة، فأمور الدنيا ما أكثرها تنوعاً وتعدداً، ولكن عيبنا نحن معشر السياسيين والكتاب لا نرى في أغلب الأوقات سوى السياسة لنكتب عنها.. ولكني أحبذ أن أتركها أحياناً لنغوص في قضايا أخرى حياتية ربما تهم قطاعاً آخر من القراء والمتابعين..لا أنكر أن صفحات الرأي في معظم صحفنا تمتلئ بالتحليلات والمتابعات السياسية والاقتصادية، ولكن يبدو لي من خلال متابعة التعليقات أن الناس ملت مثل هذه النوعية من الكتابات خاصة مع انتشار عالم السوشيال ميديا وعدم انتظار رأي الكاتب في أي موضوع مثار على الساحة السياسية، لأن مشاركات التواصل الاجتماعي تكون سباقة بالرأي والتحليل وحتى عملية «الإخبار» نفسها، أي نقل الخبر قبل المواقع الإخبارية والصحف.

إذن، اتفقنا على أننا سنترك السياسة اليوم، ولعل موضوعي البديل الذي يطغى على تفكيري هذا الأسبوع هو الغيرة، فالغيرة أنواع، غيرة المحبين، الأصدقاء، الزملاء في العمل أو الدراسة.. وهناك الغيرة الحميدة التي حثنا عليها الإسلام في تعاملاتنا اليومية والأسرية والمجتمعية حتى تستقيم الأمور في الدنيا والآخرة.

وعلى ما يبدو، فإن الغيرة ما بين المحبين هي التي تطغى بين الناس واعتقد أنها تحتل المرتبة الأولى في الغيرة، وقد صورت الأغاني والأفلام المصرية والعربية والهندية والأمريكية مسألة الغيرة بأشكال درامية مختلفة، حتى إن السينما لا تمل من إنتاج أفلام تعتمد مادتها الدرامية عن الغيرة، إذ نرى ما يسمونه بعالم السينما بـ»ثالوث الدراما»، أي الزوجة والزوج والعشيق، أو العكس، أي الزوج والزوجة والعشيقة، حيث يعالج الشريط السينمائي هذه الورطة وكيف تنتهي، والتي تنتهي أحياناً بحادث قتل أي التخلص من الزوجة بمعاونة العشيقة، أو إنهاء حياة الزوج بدعم من العشيق.. حتى أن أسماء بعض الأفلام تشير مباشرة إلى مسألة الغيرة، في حين تكون أسماء أفلام أخرى خادعة حتى يفاجأ بها المشاهد.

ولعلي أعود إلى قصة أرسلها لي صديق قبل 6 أعوام على «الفيسبوك» واحتفظت بها طوال هذه الفترة، لعلي أكتب عنها، وقد حان الوقت لاسترجاعها. تقول القصة القصيرة، أن عصفوراً وقع في حب زهرة بيضاء في يوم من الأيام، وكان يغير عليها بشدة من بقية الطيور التي تقف بجانبها تستمتع بعبقها وتغازلها. وقرر أن يصارحها بحبه وهيامه بها، وكان يتوقع أنها ستطير فرحاً بما أبلغها به، ولكنه فوجئ برد فعل معاكس تماماً أصابه بغم بعد فرح. فالزهرة رفضت مبادلته حباً بحب، وقالت له إنها لا تحبه. هل سكت العصفور الغيور؟ لا بالطبع، فظل يصارحها بحبه بشكل يومي لعلها ترضى به حبيباً ورفيقاً. استمر حال العصفور هكذا فترة من الوقت، حتى ضاقت منه الزهرة ففكرت في حيلة تبلغه بها حتى يمل منها ولا يقربها ثانياً. فقالت له: «عندما يصبح لوني أحمر سوف أحبك». فرح العصفور بهذه البشرى واعتبرها بداية تغير في مشاعر الزهرة تجاه قلبه الملتاع بها.. ومن جانبه، حاول أن يرد على طلبها بحيلة منه كي يقرب البعيد ويحظى بحبها وقلبها، وبعد تفكير طويل في الموضوع، فكر في أن يقطع جناحيه وينشر الدماء على الزهرة البيضاء حتى تحول لونها إلى الأحمر.. وفي الوقت الذي أدركت الزهرة كم أحبها العصفور وتعلق فؤاده بها، كان الوقت قد فات أيضاً مثل دمائه التي نزفت، فالعصفور مات بسبب دمه الذي أهدره. ولكن الوردة عاشت بعد أن استهترت بحب العصفور لها ولم تدرك مدى ولعه وشغفه بها، ومات الطائر الغيور على حبيبته الزهرة، فكم من قلوب قاسية تحيا، وكم من قلوب مخلصة كتب عليها الفناء، فالوقت قد مر وماتت مشاعر الوردة مثلما مات العصفور، ودفن الاثنان معا، العصفور والمشاعر.

وبعيدا عن غيرة المحبين، هناك الغيرة على الأصدقاء، وهي أكثر خطراً من داء الغيرة من الأصدقاء، فالفارق واضح حتى بين النوعين من المعني. فالنوع الثاني يأتي عندما يشعر الصديق بأن صديقه يتميز عنه في بعض الصفات مثل الثقافة والمعرفة أو الغني أو علو المنصب، فتنتابه أفكار وأحاسيس وتصرفات تحدث عندما يشعر بعدم قدرته على أن يكون مثل صديقه. أما النوع الأول والذي أراه خطراً وصعباً على الصداقة نفسها، هو الغيرة على الأصدقاء، لأنها تعني حب السيطرة والاستحواذ على الصديق المقرب ومحاولة قطع علاقته بالآخرين.

وتؤكد الدراسات النفسية أن خطورة الغيرة على الأصدقاء تكمن في الأشخاص بوضوح الذين يسيطر عليهم حب التملك والسيطرة على الآخرين ويخافون بشدة عندما يقترب منهم شخص أخـــر ليتعــرف عليهم أو يكون ضمن مجموعة الأصدقاء. ومن خطورة هذا النـــوع أيضا مـــن الغيــرة أن الأصدقاء لا يهتمون لمشاعـــر صديقهم الذي يغارون عليه، أو ما إذا كان يريد توسيع دائرة صداقاته ومعارفه وعدم الوقوف على مجموعة محدودة من الأصدقاء.

وتشير الدراسات أيضا الى أن خطورة هؤلاء الأصدقاء تكمن في أنهم يكونون في العادة انطوائيين، ولا يستطيعون تكوين صداقات جديدة، وبالتالي يلتصقون بصديق محدد وينسجون حوله سياجاً كبيراً لحصاره وعدم الاقتراب منه. ورغم هذه المخاطر، إلا أن علم النفس وضع العلاج المناسب للتخلص من مثل هذه العادة غير الحميدة، كأن يراقب الصديق نفسه أولا بأول ويزن تصرفاته حتى يتجنب الوقوع في فخ الغيرة على صديقه، وعليه أن يعلم أن الصداقة ود ومحبة وليست تملكا أو حب السيطرة، وأن خير الأمور الوسط فلا إفراط ولا تفريط.. والأهم من كل هذا، أن يتشارك الأصدقاء في توسيع دائرة الصداقة وضم الآخرين إليهم، فالدنيا عبارة عن أسرة صغيرة وكبيرة ومجموعات من الأصدقاء، والمهم عدم الحجر على صديق بعينه في توسيع دائرة معارفه..وإذا التزم الأصدقاء بهذه النصائح، فلن تنتهي صداقتهم وستدوم للأبد.

ولعلي عندما أتناول مساوئ الغيرة على الأصدقاء ، خاصة أن مثل هذه الآفة تكثر في سن المراهقة أكثر، الفت الانتباه إلى أن للأسرة دور كبير في الحد من هذه الظاهرة، حتى يخرج أبناؤها أسوياء.. فمثلا عندما تشعر الفتاة بالغيرة من صديقتها برغم حبها واعتزازها بها، فهي ستمر بمشكلة خطيرة قد تؤرقها دائما. وعلى الأسرة أن تتدخل في الوقت المناسب حتى تنزع المشاعر السلبية، لكي تدوم الصداقة بين الفتاة وصديقاتها.. فمشاعر الغيرة هنا تؤذي صاحبها قبل أن توذي الصديق، لأن تدنى تقدير الذات وعدم الثقة بالنفس قد تكون من الأسباب الرئيسية في الغيرة بين الأصدقاء.

ومن إيجابيات علم النفس الحديث، أنه يضع الحلول الناجحة للتخلص من مشاعر الغيرة، سواء على الأصدقاء أو من الأصدقاء، ويبدأ الحل بضرورة أن يدرك كل إنسان ما ميزه به المولى عز وجل عن الآخرين، فكل شخص يتميز بملكات وهبات ونعم وهبها له سبحانه وتعالى، هذه الملكات والمزايا لا توجد لدى الآخرين الذين يتميزون هم أيضاً بمواهب أخرى، وبهذا تتعدد المزايا والملكات والمواهب ويستقيم الكون.. وبعد معرفة الشخص لنعم الله علينا، يجب أن نعزز الثقة في أنفسنا ونحترم قدرات الآخرين، وبالتالي ستختفي مشاعر الغيرة من الأصدقاء.
وإذا كان علم النفس قد وضع أسس السيطرة على الغيرة بكافة أنواعها، إلا أنه فشل في القضاء على غيرة الحبيب والأحبة، واعتقد أنه ما زال الكثير أمام علماء النفس كي يضعوا نهاية لهذه الغيرة، فهي تتملك من الإنسان قلبه وعقله، حتى يكاد لا يرى سوى حبيبه ويكره أي شخص يقترب منه، حتى يقال أحيانا أن الشخص يغير على حبيبته حتى من الهواء الذي تشمه!

كاتب بحريني