الكرة في ملعب الحكومة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٥/يناير/٢٠١٧ ٠٤:١٠ ص
الكرة في ملعب الحكومة

عيسى المسعودي

بتفاؤل وحذر وترقب استقبل الجميع إعلان الحكومة للميزانية العامة للدولة للسنة المإلىة 2017، والأغلبية وصفوها بأنها متوازنة وواقعية وتعتمد وبشكل كبير على الإمكانيات المتوافرة، وتأخذ في الاعتبار كافة الظروف والتقلبات الاقتصادية والمؤشرات المستقبلية، كما أنها أشارت إلى العديد من الخطوات التي يجب أن تتخذها المؤسسات الحكومية لضمان الاستدامة المالية والاستقرار في مختلف مجالات الحياة، ولعل من أهمها الاستمرار في الحدِّ من الصرف غير الضروري في المؤسسات الحكومية، واتباع التعليمات والتوصيات التي تصدر من وزارة المالية بين فترة وأخرى، والاهتمام في المقابل على زيادة الإيرادات الحكومية من خلال الابتكار واتخاذ بعض الخطوات الإيجابية في هذا المجال، كما أكد بيان وزارة المالية حول الميزانية على حرص الحكومة في تحفيز النمو والتشغيل المستدام وتحقيق معدل نمو اقتصادي مع الاهتمام بدعم القطاعات الاقتصادية المهمة لتقوم بدورها في التنويع الاقتصادي والتقليل من الاعتماد على النفط كسلعة أساسية.
بلا شك أن هذا الموضوع يحتاج منا عملًا متواصلًا ومدروسًا حتى نحقق الأهداف حتى ولو على المدى البعيد، كما أكد بيان الوزارة على أن أهم أهداف الموازنة استقرار المستوى المعيشي للمواطنين وهذا أمر في غاية الأهمية وعلى الحكومة الالتزام به بقدر الإمكان وليس مجرد كلام وتصريحات إعلامية، كما اشتمل البيان على مجموعة من الأمور الإيجابية التي تعطينا مؤشرًا إيجابيًا وتفاؤلًا ولو نسبيًا بإمكانية تجاوز التحديات والصعوبات دون وجود تأثير كبير على المستويات المستهدفة، ولعل ما يلفت الانتباه بعد إعلان الميزانية العامة للدولة هي حالة الثقة لدى أغلبية المواطنين بالدور الذي تقوم به الحكومة للحفاظ على الاستقرار المالي والمعيشي، وبالتالي على الحكومة أن تستثمر هذه الثقة من خلال اتخاذ إجراءات إيجابية تعزز من هذه الثقة وتبني عليها الخطط المستقبلية.
موازنة العام 2017 قد تكون قريبة وشبيهة بموازنة العام الفائت مع وجود تغير بسيط في حجم الإيرادات والإنفاق العام، فبينما انخفض الإنفاق الإجمالي بنحو 200 مليون ريال من خلال تخصيص 11.7 بليون ريال فقد ارتفعت الإيرادات بنسبة 18% لتبلغ 8.7 بليون ريال وهذا بفضل الإجراءات الأخيرة التي قامت بها الحكومة في هذا المجال، وبلا شك أن الأرقام التي طرحتا الموازنة وحسب الظروف والإمكانيات نجدها أرقامًا مالية منطقية وواقعية "لا يمكن بالإمكان أكثر مما كان".
لكن دعونا نبتعد قليلًا عن الأرقام في الميزانية لأنها أرقام كانت معروفة مسبقًا والجميع يتفق مع الحكومة عليها، ودعونا نتحدث بشيء من الشفافية والواقعية، فبيان الحكومة متمثلًا بوزارة المالية أكد على أن المرحلة المقبلة سيكون الدور الأهم فيها على القطاع الخاص في الكثير من الأمور، ولعل من أهمها تمويل وتنفيذ المشاريع وتوفير الفرص الوظيفية وطرح المشاريع الجديدة الاستثمارية التي تساهم في إنعاش الحركة الاقتصادية؛ لأن القطاع الخاص يستطيع تحقيق نجاحات وإنجازات، وفي كل دول العالم بما فيها دول المنطقة تعوِّل الحكومات على القطاع الخاص ليلعب الدور الأكبر ويكون شريكًا حقيقيًا مع الحكومة في تنفيذ هذه المشاريع والخطط، ولكن لتحقيق ذلك -وكما تقوم به أغلب حكومات العالم- على الحكومة أن تهيئ البيئة الاستثمارية للقطاع وتوفر له الأدوات والتسهيلات والحوافز حتى يقوم بهذا الدور على أكمل وجه؛ لذلك فإننا نقول إن الكرة في ملعب الحكومة، وعلى المؤسسات والجهات الحكومية أن تبادر لتحفيز مؤسسات القطاع الخاص، فلا يمكن أن نطالب القطاع الخاص بدور أكبر ونحن في الوقت نفسه نتخذ إجراءات وخطوات تعجيزية ونعمل ببيرقراطية معقدة في إنجاز الأعمال والتي تؤثر على المؤسسات والشركات وتجعل مشاركتها ضعيفة في تحقيق الرؤية والأهداف المرجوة التي تخطط الحكومة لتحقيقها على الأفل في هذا العام، فالمؤسسات الحكومية عليها العمل بطريقة مختلفة عن السنوات الفائتة لمواجهة التحديات الجديدة، وأن يكون لمجلس الوزراء الموقر دور في متابعة عمل المؤسسات والجهات الحكومية وتطوير أدائها ليتوافق مع الأهداف الجديدة حتى تحقق نتائج إيجابية ونستفيد بالتالي من القطاع الخاص في تعزيز خطط الحكومة الحالية والمستقبلية.
إن كافة المؤسسات الحكومية وبدون استثناء عليها دور كبير في تعزيز دور مؤسسات القطاع الخاص من حيث تبسيط الإجراءات ودعم هذه المؤسسات والوقوف معها في تنفيذ مشاريعها وإنجاز معاملاتها ودعم الأفكار والمشاريع الجديدة وعدم عرقلتها بإجراءات وممارسات خاطئة.
علينا فعلًا أن نكون جادين في دعم هذا القطاع من خلال استراتيجيات وإجراءات تحفيزية تتبناها كل مؤسسة حكومية لهذا القطاع حتى يقوم بالدور والواجب المنوط به، حيث إن نجاح القطاع الخاص سينعكس إيجابيًا على الوضع الاقتصادي الكلي، فكثير من رجال الأعمال والمسؤولين في القطاع الخاص تحدثوا كثيرًا عبر مختلف وسائل الإعلام عن أهمية تبسيط الإجراءات الحكومية وتذليل الصعوبات والتعاون مع القطاع في فتح آفاق استثمارية جديدة وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتقديم مزيد من التسهيلات والحوافز حتى يستطيع القطاع الخاص أن يكون فعلًا شريكًا أساسيًا مع الحكومة خاصة في هذه الأوقات الصعبة، ولعل هذا الحديث يتكرر دائمًا والمطالب نفسها تتكرر دائمًا ولكن اليوم أصبح من الضروري أن تكون لدينا إرادة سياسية قوية لتغيير النهج الحكومي والتفكير بشكل مختلف ومساندة القطاع الخاص بشكل أكبر عن السابق، كما أن من الأمور المهمة والتي أشار إليها بيان وزارة المالية في الموازنة ويؤكد عليها الجميع مسألة ضمان سداد الدفعات المالية المستحقة عن التعاقدات الحكومية ودفعها في مواعيدها وبشكل منتظم، حيث سيساهم ذلك في استمرار الشركات في عملها وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، فالوضع الاقتصادي لا يتحمل ضغوطات جديدة بحيث نصل إلى مرحلة إغلاق المؤسسات والشركات! وعلى وزارة المالية تنفيذ ما جاء في البيان والاهتمام به لأنه شكَّل تحديًا كبيرًا في العام الفائت، وواجهت مجموعة كبيرة من الشركات ورجال الأعمال مواقف صعبة وأزمة مالية جراء تأخير سداد الدفعات، كذلك على كافة المؤسسات الحكومية الأخرى مثل التجارة والصناعة والقوى العاملة وشرطة عمان السلطانية والسياحة والإسكان أن تتحمل مسؤولياتها في التعاون بشكل أكبر مع القطاع الخاص، وألا نتحدث عن دور القطاع في المرحلة المقبلة دون أن تتحرك المؤسسات الحكومية وتقوم بدورها كاملًا في دعمه، فعلى المسؤولين في الحكومة عدم التصريح لوسائل الإعلام أن الكرة في ملعب القطاع الخاص ويطالبون بدور أكبر للقطاع قبل أن يقوموا هم بدورهم الحقيقي، فهي شراكة بين الطرفين، والكرة ستبقى في ملعب الحكومة حتى تتغير منظومة العمل في المؤسسات الحكومية وتتطور في أدائها وعملها وتتعاون مع القطاع الخاص كفريق عمل واحد يكمِّل كل طرف عمل الطرف الآخر، وهذه هي رسالتنا مع بداية العام الجديد، ونتمنى أن تتحقق حتى نرى تقدمًا وتطورًا في المشهد الاقتصادي والتجاري للبلد، وبالتالي ينعكس ذلك على كافة المستويات.
Ias1919@hotmail.com