«الهوية الاقتصادية» دور مهم في تحديد توجه المجتمعات

مؤشر الثلاثاء ٠٣/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٥٤ ص
«الهوية الاقتصادية»
دور مهم في تحديد توجه المجتمعات

مسقط -
توصلت دراسة غرفة تجارة وصناعة عمان والذي أعدها الخبير الاقتصادي د. عبدالسلام فرج إلى أن للهوية الاقتصادية دورا مهماً في تحديد توجه المجتمعات وتحديد خياراتها لمناحي الأنشطة المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية، فتحديد الهوية الاقتصادية يعد بمثابة الخطوط العريضة التي تمشي عليها مؤسسات الدولة وتعتمدها في خططها الاستراتيجية الخاصة بالنمو والتنمية والتي تؤدي بالتأكيد إلى تحقيق الأهداف المنشودة للدولة والمتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي.وأكدت الدراسة أن السلطنة حققت خلال العقود الثلاثة الأخيرة إنجازات على أكثر من صعيد في مضمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالتجربة العمانية شملت كل شيء بدأ بالصناعة والزراعة وانتقالا للسياحة بعدها الصناعات الثقيلة والصناعات البتروكيماوية والاستيراد والتصدير ولكن كل هذه المحاولات لم تستطع إيجاد هوية واضحة المعالم للاقتصاد الوطني في السلطنة أو بمعنى أدق لا يمكن القول إن الاقتصاد العماني هو اقتصاد سياحي أو زراعي أو صناعي أو متخصص في اقتصاديات المعرفة «التعليم وتنمية الموارد البشرية»، كما لا يمكن القول إن السلطنة لديها مدن ذات هوية سياحية وصناعية أو ذات وجهة ثقافية وفنية.

عدم وضوح الهوية
وأشارت دراسة الغرفة أن عدم وضوح هوية الاقتصاد العماني جاءت كمحصلة للعديد من الصعوبات والتي من أهمها عدم الأخذ في الاعتبار الأسس والمعايير المحددة للهوية الاقتصادية في الخطط الاقتصادية السابقة أو بمعنى أنه لم يتم دراسة خيار محدد والالتزام به والتخطيط جيدا لتنفيذه وتطبيقه وتنفيذه ومتابعته حتى ينتج عنه طابع أو هوية اقتصادية محددة.

إن عدم إدراج موضوع الهوية الاقتصادية في خطط التنمية السابقة ترتب عليه استمرار الخلل في هيكلية الاقتصاد الوطني فهو لا يزال اقتصادا ريعيا أحادي المورد يعاني من عدم تنوع القاعدة الإنتاجية من جانب كما يعاني من ظاهرة المرض الهولندي من حيث هيمنة القطاع النفطي وقطاع الخدمات على جل النشاط الاقتصادي، كما يعاني من ظاهرة المرض الخليجي متمثلة في هيمنة القوى العاملة الوافدة على جل الوظائف في القطاع الخاص الذي يعاني أصلا من عدم حصوله على النصيب العادل من الاستثمار في المشاريع الضخمة بالسلطنة.

توصيات الدراسة

خلصت الدراسة إلى العديد من التوصيات تتعلق بأهمية بناء وصقل هوية اقتصادية للاقتصاد العماني والتي يجب أخذها في نظر الاعتبار عند وضع أي خطط مستقبلية لعل أهمها ما يلي: أولا يجب الإشارة إلى أن الشروط مواتية لازدهار السلطنة فهي تمتلك -من منظور إقليمي وجيوسياسي- حالة من الاستقرار الأمني وقوة عمل بشرية ومعدل نمو سكاني مرتفع والعديد من المقومات الطبيعية المميزة «التنوع البيئي الواسع والمعالم الحضارية الراسخة» التي تؤهلها وفقا لنظريات الميزة النسبية لاكتساب ميزة الهوية السياحية، ومن جانب آخر أن السلطنة لديها موقع استراتيجي متميز يجعل منها بوابه الشرق الأوسط الذي يربطها مع دول رابطة المحيط الهندي وبقية دول العالم. وبالتالي -ومع وجود ثلاث مناطق اقتصادية حرة- فإنه من المؤكد أن هوية الاقتصاد العماني يجب أن تتحدد أيضا وفقا لموقعها الاستراتيجي الذي يمنحها الميزة اللوجستية والتي يجب الاستفادة منها في مجال تحفيز وإنعاش قطاع التجارة الخارجية من حيث الصادرات والواردات وعمليات إعادة التصدير.

فكر ونظريات

وذكرت الدرسة أن الهوية الاقتصادية موضوع ليس بالجديد ففي تاريخ الفكر الاقتصادي أمثلة كثيرة على القضايا الأساسية التي من خلالها تتحدد هوية اقتصاد ما. فمن حيث النظريات: فمند القرن الثامن عشر ظهرت نظريات التجارة الخارجية الخاصة: نظرية المزايا النسبية التي بمقتضاها يتخصص بلد ما في إنتاج السلع والخدمات التي لديه ميزة نسبية في إنتاجها أو النظريات الحديثة في مجال التجارة مثل نظرية «هيكشر اولين» التي تركز على الكثافة في عنصر رأس المال أو عنصر العمل.

ومن حيث الأنظمة الاقتصادية: مرورا بعهد القطاعيين وعهد التجاريين ثم الأنظمة الحديثة حيث أفرزت أدبيات الاقتصاد السياسي هويتين رئيسيتين: فهناك الهوية الرأسمالية المتمثلة في نظام اقتصاد السوق أو اقتصاد ليبرالي «حر» الذي تحكمه قوى السوق «العرض والطلب». وهناك الهوية الاشتراكية والذي تتحكم سلطة الدولة بالنشاط الاقتصادي من خلال التخطيط المركزي الشامل، وبين اقتصادية الأولى واجتماعية الثانية ظهرت مدارس اقتصادية جديدة قامت بالخلط بينهما لتنتج ما يسمى باقتصاد السوق الاجتماعي (النظام الاقتصادي المختلط) الذي أخذت به العديد من الدول.
وفي ميدان النمو ومستوياته هناك بلدان متقدمة النمو وبلدان أخرى في طريق النمو، بلدان غنية وبلدان متوسطة الدخل أو فقيرة وهناك بلدان أقل نموًا أو أكثر فقرًا ومن الجانب الآخر هناك بلدان تبرز فيها وتتطور بعض السمات العامة مثل التصنيع، أو الإنتاج الزراعي، أو السياحة، أو التجارة، وهي أمور تتوقف على ظروف وإمكانيات البلد المحددة لطبيعة موارده الاقتصادية.

أهمية تحديد الهوية الاقتصادية

وعرفت الدراسة أن الاقتصاد يعد العصب الرئيسي للحياة لأي دولة وهو المحرك لباقي القطاعات وإذا لم يكن لاقتصاد الدولة هوية واضحة ومحددة المعالم والقوانين فسوف يؤدي ذلك إلى التشابك والتخبط وعدم القدرة على تحديد المسار الاقتصادي للدولة. إن أحد أهم أسباب نجاح اقتصاديات الدول هو اختيارها للهوية الاقتصادية التي ستعتمد كمنهاج عمل فمثلا: عند الحديث عن ألمانيا يتبادر إلى الأذهان اعتماد الاقتصاد الألماني على التكنولوجيا المتطورة في عالم المحركات وأصبحت ألمانيا أكبر وأهم مصدر للتكنولوجيا في أوروبا والعالم فمن يستطيع أن ينكر بأن مرسيدس بنز أو فولكس فاجن يمثلان هوية وعلامة بارزة للاقتصاد الألماني، هوية الاقتصاد السياحية هو علامة دالة على كل من: الاقتصاد التايلاندي والاقتصاد الإسباني أما الصين فهي نموذج للاقتصاد الناجح في مجال التصنيع فالصين أصبحت مصنع العالم بامتياز.

إن وجود عنوان أو هوية أو خط عريض تمشي عليه مؤسسات الدولة وتعتمده في خططها الاستراتيجية الخاصة بالنمو التنمية سوف يؤدي بالتأكيد إلى تحقيق الأهداف المنشودة للدولة والمتمثلة في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي لأن للهوية الاقتصادية دورا مهماً في تحديد توجه المجتمعات وتحديد خياراتها لمناحي الأنشطة المختلفة من سياسية واقتصادية واجتماعية، كما يؤدي إلى تحديد المسار العام للدولة وتوحيد قوانين المنظمة للهوية الاقتصادية وتحقيق تلك الهوية المعلنة والواضحة والواجبة التطبيق.
الهوية الاقتصادية تؤدى إلى توجيه الاقتصاد الوطني -فالدولة إذا اختارت مجال التصنيع فيكون لزاما على مؤسسات التعليم الوطنية أن تضع مناهجها لهذا الهدف. فمثلا تايلند صممت مقررات تعليمية في السياحة لأن هوية اقتصاد الدولة هو السياحة. منظومة الطرق والموانئ والمطارات خصصت لتحقيق هذا الهدف- فالميناء الذي يستقبل السفن السياحية يختلف عن الميناء الذي يكون الهدف منه تصدير الصناعات الثقيلة. لذلك كان من المهم لأي منظومة قوانين أن تكون الهوية الاقتصادية واضحة المعالم واجبة التطبيق لتحقيق رفاهية المجتمع وتحقيق الدولة المدنية المستدامة.