مسقط - ش
حذر رئيس اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الشورى، رئيس جمعية المحامين العمانية سعادة د.محمد بن إبراهيم الزدجالي من تزايد خطر الشائعات في المجتمع العماني، مشيراً إلى أن الوسائط الإلكترونية والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وفرت للشائعات بكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية مرتعاً خصباً يمكن أن تنتشر فيه بسهولة فائقة.
وأضاف أن شخصاً يملك هاتفاً ذكياً يمكن أن يكون منصة لإطلاق شائعة تتناول شخصية عامة أو جهة سياسية، فيما تتكفل المواقع الأخرى بنقل ما تلك الشائعة.
يأتي ذلك في إطار الاستعدادات الجارية لتنظيم مؤتمر "الإشاعة والإعلام" كأول مؤتمر من نوعه بالسلطنة، ويناقش خطورة الإشاعة على الفرد والمجتمع.
ويهدف المؤتمرالذي يعقد 27 و28 مارس المقبل، إلى تعزيز الوعي في المجتمع بخطورة الشائعات وتأثيرها الاجتماعي والنفسي والأمني، والاطلاع على سبل الحد منها، وإبراز دور الإعلام في التعاطي مع الشائعات ودحضها.
ينظم المؤتمر من قبل شركة المستقبل لتنظيم المؤتمرات مواكبة منها للجهود المبذولة من أجل مواجهة ظاهرة تنامي الإشاعة في الآونة الأخيرة وانتشارها بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، والتمادي في استخدامها من خلال نشر أخبار كاذبة.
وفي هذا الصدد يقول سعادة د. الزدجالي: رغم أن الشائعات قد تترك أثراً مدمراً بحياة الأفراد وجرحا معنويا يصعب تداويه إلا أنه لا توجد نصوص قانونية واضحة وصريحة في قانون الجزاء العماني تعاقب على إذاعة الإشاعة التي تمس الافراد في صميم حياتهم الشخصية وتنتهك حرياتهم الشخصية بغض النظر عن صحة او عدم صحة الشائعة، إذ إن قانون الجزاء العماني لا يعاقب مطلق الاشاعة إلا إذا تسببت في النيل من هيبة الدولة أو إضعاف الثقة بمكانتها المالية.
واشار الزدجالي إلى أن مسألة الشائعات تم تناولها في قانون الجزاء العماني وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، فقد تضمن قانون الجزاء جريمة بث الاخبار والشائعات بطرق الاذاعة والنشر التقليدية وجرًم ذلك إن ترتب عليه النيل من هيبة الدولة أو اضعاف الثقة المالية للدولة، أما قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فقد تناول بالتجريم الإشاعات وتداول الاخبار التي تتم عبر وسائل تقنية المعلومات.
السجن والغرامة
وقد نصت المادة 135 من قانون الجزاء العماني على أن: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 ريال ولا تزيد عن خمسمائة ريال كل من حرض أو أذاع او نشر عمداً في الداخل أو الخارج اخبارا أو بيانات أو اشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة وكان من شأن ذلك النيل من هيبة الدولة أو إضعاف الثقة بمكانتها المالية. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشرة سنوات إذا وقعت الجريمة في وقت الحرب".
وفي قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر في 12/2011، تناولت المادة 16 منه جريمة نشر الشائعات ونصت على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 1000 ريال ولا تزيد عن 5000 ريال عماني او باحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهواتف النقالة المزودة بآلة تصوير في الحياة الخاصة أو العائلية للافراد وذلك بالتقاط صور أو نشر اخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئية تتصل بها ولو كانت صحيحة، او في التعدي على الغير بالسب أو بالقذف".
كما يتضمن قانون المعاملات المدنية (المادة 76) أن كل شائعةٍ تسبب ضررا للغير يلزم من ارتكبها بالتعويض.
وجدير بالذكر أن المحاكم المدنية لها سلطات تقديرية واسعة في أن تحكم للمضرور بالتعويض المادي وذلك وفقا لملابسات واقع الحال والظروف المناسبة وبما يواسي المضرور ويكفل رد اعتباره، ولذا فإن المحاكم المدنية قد تؤدي دورا كبيرا في محاربة الشائعات وذلك عن طريق تعويض المتضررين تعويضا عادلا ما ينعكس ايجابا في زجر كل من تخول له نفسه بث الشائعات.
النص غير كاف
وقال سعادته إن عقوبة نشر الشائعات عبر وسائل التقنية الحديثة سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة قد يعاقب عليها بالسجن لمدة قد تصل 5 سنوات وبالغرامة بمبلغ قد يصل 5000 ريال عماني او بالعقوبتين معاً، ويمكننا القول إنها عقوبة كافية لمواجهة اثارة الاشاعات عن طريق تقنية المعلومات.
أما فيما يتعلق بقانون الجزاء العماني فقال: نعتقد أن النص غير كاف، إذ ينبغي تضمين اذاعة ونشر الشائعات ضد الاشخاص كجريمة معاقب عليها بموجب قانون الجزاء العماني وذلك بغض النظر عن صحة او عدم صحة الخبر او الاشاعة، ولهذا نرى اضافة مادة جديدة الى قانون الجزاء العماني تعنى بحماية الافراد من خطر الشائعات وذلك كالآتي:
"من ينشر أو يذيع أى خبر أو اشاعة أو تقرير، سواء كان صحيحا او غير صحيح، قاصداً أن يسبب خوفاً أو ذعراً لأي شخص، أو انتقاصاً من قدر ذلك الشخص، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة او بالغرامة مبلغ 2000 ريال عماني او بالعقوبتين معاً".
هدم كيان المجتمع
ويقول المحامي ناصر البدري إن الشائعات بكافة أنواعها سواء كانت تتعلق بالمسائل الشخصية للأفراد أم تتعلق بالجانب العام، تعتبر من الامور غير المحمودة لكونها تؤدي إلى هدم كيان المجتمع وتفضي به إلى عواقب وخيمة، ويختلف تأثير الاشاعة من مجتمع إلى آخر، فالمجتمعات الواعية لا تلتفت إلى الشائعات والاراجيف وتكون مدركة لأبعاد ما يتناقله البعض، بينما تجد الاشاعة آذاناً صاغية في المجتمعات النامية، وقد حرّم الشرع الحنيف الاشاعة وتناقل الأخبار الكاذبة.
وأضاف البدري أن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت سرعة انتشار الشائعات بل وتطورت هذه الوسائل في كيفية ابتداعها وتناقلها وذلك باستخدام بعض التقنيات التي توحي بصحة الخبر رغم مخالفته للواقع، ومن ذلك على سبيل المثال الفبركة لبعض الصور التي ترمز الى وقائع غير موجودة في الاصل.
وأشار إلى أن المشرع لم يغفل عن مثل هذا السلوك غير المحمود نظرا لما يمثله من خطورة على الافراد بشكل خاص وعلى كيان المجتمع بشكل عام، حيث نجد أن المشرع نص في قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/74) بالمادة (182) على عقوبة الافتراء وهي الاقدام بأي وسية على نشر خبر ارتكاب احد الافراد لجريمة ما وهو يعمل انه لم يرتكبها، أو أنه نسب ارتكاب جريمة ما لأحد الافراد وهو يعلم أنه بريء منها، وتكون العقوبة في هذه الحالة وفق نص المادة المذكورة السجن من 10 ايام الى 5 سنوات وبالغرامة من 10 ريالات الى 500 ريال عماني أو بإحدى العقوبتين.
وأضاف: حظر قانون المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (49/84) نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي والخارجي أو الوضع الاقتصادي للبلاد، وكل ماهو متعلق بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد وغيرها من المسائل التي لم يجز القانون المشار اليه نشرها وان كانت صحيحة.
واختتم البدري بقوله: يجب على كل من يتعامل مع وائل التواصل الحديثة ان يتحرى الدقة قبل نشر أي معلومات أو صور أو بيانات تتعلق بحرية الافراد أو المسائل المتعلقة بشئون الدولة مما لايجوز نشره، نظرا لما يؤدي اليه هذا السلوك من الوقوع تحت طائلة القانون.
أول مؤتمر من نوعه
جدير بالذكر أن مؤتمر "الاشاعة والإعلام" الذي سيعقد في فندق هوليداي مسقط يناقش العديد من المحاور من أهمها الإشاعة في السلطنة وسبل الحد منها في ظل المتغيرات المتسارعة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتناول المحور الأول خطورة الإشاعة من الجانب الديني والنفسي والاجتماعي، كما يناقش المؤتمر الذي يشارك فيه نخبة من المحاضرين والمدربين ومسؤولي الجهات الحكومية، الاشاعة ومفهومها وأنواعها ومصادرها وأثرها على الفرد والمجتمع.
ويتناول المؤتمر دور الشائعات في عملية التواصل والاتصال، ويناقش المحور الثاني التسويق الفيروسي والإشاعة وتأثيرها في مواقع التواصل الاجتماعي، كما يتضمن عرض دارسة تحليلية عن إثر الإشاعة في السلطنة.
أما المحور الثالث فيناقش مستقبل الشائعات ودور المجتمعات في مواجهتها والتخلص منها، ويتناول كيفية مواجهة الإشاعة وردعها في وقت الأزمات، والعقوبات المنصوص عليها لمروجي الشائعات، والإشاعة وأبعادها الأمنية، كما تقام حلقات عمل حول الإشاعة وإدارة الأزمات والإشاعة وسبل منعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ودور المجتمع المدني في تأصيل الحس بالمسؤولية الاجتماعية ومكافحة الإشاعة.