مسقط – ش
لا يمكن عزل هجوم رأس السنة في إسطنبول عن سياق تطورات الأحداث في سوريا، إذ دخلت تركيا على خط التسوية إلى جانب روسيا وإيران، وتم في هذا الصدد إقرار هدنة وقف إطلاق النار، فيما باشرت أنقرة عسكرياً في دك معاقل تنظيم داعش في مدينة الباب، في الشريط الحدودي، داعمةً في الوقت نفسهِ فصائل الجيش الحر وقوات "درع الفرات" لتطهير تلك المنطقة من عناصر التنظيم.
واستهدف الهجوم الأخير ملهى ليلياً في إسطنبول أوقع 39 قتيلاً بينهم على الأقل 15 أجنبياً، ليلقي بظلاله على الاحتفالات بحلول العام 2017 التي تمت في ظل إجراءات أمنية مشددة بعد العام 2016 حافل بالاعتداءات.
ووقع الاعتداء في ملهى "رينا" الشهير في إسطنبول حيث أطلق مهاجم تنكّر بلباس بابا نويل، النار على المحتفلين برأس السنة. ولا تزال الشرطة التركية تبحث عن منفذ الاعتداء الذي تسبب أيضاً بإصابة 65 شخصاً بجروح.
ويأتي هذا الهجوم في أعقاب معارك شرسة خاضتها القوات التركية ضد داعش، أسفرت عن عشرات القتلى من التنظيم، الذي أسر جنديين تركيين، وأحرقهما لاحقاً، مهدداً الدولة التركية بتنفيذ عمليات داخل أراضيها.
هذه الهجمات ليست الأولى التي ينفذها داعش في تركيا، إذ تعود بدايات الصراع إلى العام 2013 عندما استهدف التنظيم بلدية الريحانية بسيارتين مفخختين ما أسفر عن سقوط 51 قتيلاً، إلا أن الصراع الحقيقي بدأ في العام 2015 بعد أن تم إطلاق النار على رقيب تركي في كلس في غازي عنتاب من قِبل مسلحي التنظيم من داخل الحدود السورية وأدى ذلك إلى مقتل ضابط وإصابة اثنين، ثم قيام انتحاريين بتفجير نفسيهما في أنقرة، وصولاً إلى العام الفائت الذي تصاعدت فيه حدة الصراع.
بعض المراقبين ينظر إلى تحرّك تركيا نحو تأمين منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، باعتبارهِ انزلاقاً نحو الحرب السورية وتبعاتها، والبعض الآخر يعزو هجوم رأس السنة الذي وقع أمس الأحد، في سياق خروج عناصر التنظيم من سوريا والعراق.
مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن سونر جاغايتاي، يرى في مقال نشره المعهد، أن اغتيال السفير الروسي في أنقرة، يؤشر على تمدد الحرب في الجوار نحو تركيا، مشيراً إلى أن البلاد "تواجه كوكتيل ساماً من الاستقطاب السياسي والتهديد بالعنف، اللذان من الممكن أن يتحوّلا إلى كارثة. كنتُ عموماً متفائلاً بشأن تركيا، ولكنني أشعر بالقلق هذه الأيام".
المحلل السياسي التركي محمد زاهد جول، في حديثه لقناة "العربية"، معقِّباً على الحادث، يرى أن الهجوم الأخير ينتمي إلى جماعات إرهابية عابرة للقارات، فهي استهدفت برلين قبل أيام، مشيراً إلى أن كثرة هذه الجماعات، وكثرة عملياتها، تشتت العمل الأمني، وهو ما حدث في تركيا.
المختص في شؤون الأمن الداخلي الأمريكي والعميل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، بوب باير، قال إن المؤشرات الأولية في هجوم الملهى الليلي بتركيا ليلة رأس السنة تحمل بصمات تنظيم داعش، مضيفاً أن قلق تركيا من نشاط التنظيم في سوريا على رأس دوافعها للتشارك مع روسيا من أجل الوصول إلى هدنة بذلك البلد.
باير، الذي كان تحدث لقناة "سي أن أن" في أعقاب الهجوم قال: "لديّ اتصالات جيدة مع الأتراك وهم يشعرون بالقلق حيال العنف الذي يدور خلف الحدود في سوريا وكذلك تسليح أمريكا للأكراد في سوريا، كما يشعرون بالقلق من تنظيم داعش".
وجزم المحلل الأمني الأمريكي بأن الأتراك "لم يفاجئهم الهجوم" مستطرداً بالقول: "السؤال الآن: ماذا علينا أن نفعل لوقف تدفق العنف عبر الحدود من سوريا؟"، ولفت باير إلى أن القضية تتعلق بالأسلحة والمتفجرات التي يمكن أن تمر عبر الحدود التركية والتي تبقى فيها ثغرات مهما بلغت قوة الجيش التركي المسيطر على المنطقة وذلك بسبب وجود الكثير من خطوط التهريب من سوريا والعراق، رابطاً بين هذا الواقع والمشاركة التركية في إنجاز اتفاق للتهدئة بسوريا.
وشرح باير وجهة نظره بالقول: "هذا هو السبب الذي دفع الأتراك إلى الاشتراك في اتفاقية الهدنة مع روسيا وإيران لوقف الحرب الأهلية في سوريا بأسرع وقت ممكن؛ لأنهم يعانون جراء تداعيات ذلك. علينا أن نتذكر أنه ليس لتركيا دور على الإطلاق في العنف الدائر بسوريا أو في سائر مناطق الشرق الأوسط، ولكن كلما طالت مدة استمرار العنف تزداد مخاطر تدفقه إلى مناطق أخرى".