بناء الإنسان الخليجي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٤/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:١٠ ص
بناء الإنسان الخليجي

فريد أحمد حسن
يجمع الخبراء والسياسيون على أن بناء الإنسان هو أهم التحديات التي تواجه أي نظام سياسي، ذلك أن التقدم الذي يعمل النظام الحاكم للوصول إليه لا يمكن أن يتحقق إن لم يتم بناء الإنسان الذي هو الإدارة الرئيسة للتقدم وركيزته، فمن دون الإنسان المبني بناء صحيحا وقويا والمؤمن بدوره الوطني والممتلئ حبا وعشقا للوطن ورايته، ومن دون الإنسان المعتز بذاته والموالي للنظام الذي يشعره بكرامته وبإنسانيته لا يمكن أبدا تحقيق أي تقدم، وهو ما يعني في الوجه الآخر -إن لم يتحقق بناء الإنسان- الوقوع في براثن التأخر والتخلف، فالإنسان هو صانع التقدم وموجده.

التقدم غاية، لكنه لا يتحقق من دون الإنسان، والإنسان يمكنه العمل لتحقيق التقدم ولكنه لا يستطيع ذلك إن لم يشعر بكرامته وبآدميته وبأنه جزء من الكل ومكمل للنظام وأداته الأساسية. معادلة إن تحققت ارتفع شأن الوطن وتمكن من الثبات في وجه أي عاصفة محتملة. بناء الإنسان يؤدي إلى التقدم، والتقدم يرفع الأمة إلى مصاف الأمم الأخرى وقد يتفوق عليها، وببناء الإنسان والتقدم يعمر الوطن ويرتقي.
كل الدول التي لم تهتم بهذه الأداة انتهت أو ضعفت وصارت مغلوبة على أمرها وربما مطية للآخرين، وكل الدول التي اهتمت بهذه الأداة ارتقت وصار لها شأنا ومكانة بين الأمم، فلا تقدم ولا تطور ولا أمان ولا نجاح في أي مجال من دون النجاح في بناء الإنسان، فالإنسان هو الثروة، وهو وحده الذي يستطيع أن يحقق غاية التقدم وهو من ينتصر للوطن إن شعر بإنسانيته وحظي بالكرامة التي هي في كل الأحوال حقه.
هذا يعني أن تحقيق عملية التفاعل بين الحاكم والمحكوم مسألة في غاية الأهمية، من دونها لا يحقق الوطن أي تقدم ويصير هزيلا فلا يستطيع حتى الوقوف في وجه من يريد به السوء. على أن في الأمر تفصيلا مهما، حيث التفاعل المقصود هنا لا يعني بالضرورة إقامة النظام الديمقراطي كالذي هو في دول الغرب، فهناك فرق في المجتمعات وفي أحوالها وفي القيود المتمثلة في العادات والتقاليد والأعراف، وهناك أمور لا يمكن أن تتحقق بقرار ولا بد أن تأخذ مداها الزمني، فلا يمكن مثلا أن يصدر الحاكم قرارا بالتحول في التو واللحظة إلى الديمقراطية لأن الديمقراطية لا تأتي هكذا وإنما هي نتاج تطور المجتمع وأفراده قد يستغرق عشرات وربما مئات السنين، وما نراه اليوم متحققا في بعض دول الغرب لم يتحقق بقرار وإنما هو نتاج تفاعل بين الحاكم والمحكوم وبين المحكوم والمحكوم، أفراد ومؤسسات، استمر مئات السنين، فالديمقراطية ليست تجربة ولكنها مسيرة طويلة تحتوي الكثير من التفاصيل والكثير من الصعوبات والآلام.
السؤال الذي لا بد أنه يشاغب الآن من قد يتخذ من الأنظمة الحاكمة في دول مجلس التعاون موقفا سالبا هو هل تهتم هذه الأنظمة ببناء الإنسان ليكون أداتها لتحقيق التقدم المنشود؟ والجواب من وجهة نظرهم هو دونما شك بالسلب، لكن هذا غير صحيح أبدا، فكما أن التقدم غاية الأنظمة الحاكمة في دول التعاون كذلك فإن تطوير الإنسان فيها هو الهدف والغاية، فهذه الدول تؤمن بأن الإنسان هو الأداة التي من دونها لا يمكنها الوصول إلى أي تقدم تنشده، وتؤمن أن هذا الإنسان لا يمكن أن يقدم أي شيء من دون أن يشعر بالكرامة وبأنه جزء من النظام وليس مجرد أداة من أدواته فتوليه اهتمامها وتهيء له الأسباب التي تعينه على تحقيق كل ذلك .
القيادة في السلطنة توفر مثالا عمليا يؤكد هذه المعلومة، فالتقدم الذي وضعته ضمن غاياتها بنت من أجل تحقيقه الإنسان العماني وأشعرته بكرامته وبإنسانيته واعتبرته جزءا أساسا حتى وصل إلى قناعة مفادها أنه هو السلطنة وليس مجرد جزء منها أو عضو من أعضائها. هذا التماهي بين القيادة والشعب العماني هو الذي أشعر المواطن العماني بأهميته وبأهمية دوره فصار فاعلا، وصار منتجا، وصار قادرا على تحقيق التقدم المنشود وتحقيق كل غاية رسمتها القيادة ضمن استراتيجياتها. الأمر نفسه حدث ويحدث في دول مجلس التعاون الأخرى مع اختلاف في التفاصيل وفي التجربة.
هذا لا يعني أن دول مجلــس التعاون الخليجي مثالية في هذا الشأن، فهناك دونما شــك تقصــير وأخـطاء وحتى ربما منغصات لكنها لا تشغل الأنظمة الحاكـــمة عن غاياتها ولا تشغل شعوب التعاون عن دورهم ولا تعطل التفاعل بين الطرفين، ولولا هذا لما تم تحقيق أي تقدم في أي مجال، ولولا هذا لتمكن مريدو السوء وهم كثر من كل دول هذه المنظومة.
اعتبار قيادات دول التعاون التقدم وهدفه هو الإنسان الخليجي وكرامته وفر لها أداة سهلت لها تحقيق كل غاياتها وأهدافها وصارت رقما صعبا في أي معادلة، ودليل نجاح هذه القيادات في بناء الإنسان الخليجي يتأكد الآن بصورة أوضح، فما تمر به المنطقة من صعوبات وتحديات أساسها أو أحد أسبابها الرئيسة انخفاض سعر برميل النفط لا يمكن أن يؤثر على عطاء الإنسان الخليجي وعمله ووقوفه إلى جانب قياداته، فالمتغيرات المتسارعة التي تعيشها المنطقة تؤكد صلابة الإنسان الخليجي الذي نجح حكام دول مجلس التعاون في بنائه، وتؤكد استمرار التفاعل بين الحاكم والمحكوم في هذه الدول.

كاتب بحريني