المحطة المقبلة للدبلوماسية النووية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٤/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
المحطة المقبلة للدبلوماسية النووية

كريستوفر هِل

إن الحصاد الدبلوماسي لاتفاق الصيف الفائت المتعلق ببرنامج إيران النووي قد بدأ فعندما انحرفت قوارب البحرية الأمريكية للمياه الإيرانية هذا الشهر -وهو تطور كان يمكن حتى قبل عام فقط أن يثير أزمة- تم احتجازها لفترة قصيرة فقط وفي الأسبوع نفسه أفرجت إيران كذلك عن خمسة سجناء أمريكيين وقامت بتصدير يورانيوم مخصب طبقا للصفقة النووية كما دخلت مجددا لأسواق النفط العالمية.

إن العلاقات مع إيران ما يزال لديها طريق طويل لتقطعه وليس فقط فيما يختص بمراقبة تقيدها بالصفقة ولكن أيضا تشجيع قادتها على تغيير نهجهم الإقليمي بما في ذلك تحسين العلاقات مع العرب السنة وخاصة السعودية ولكن مهما يكن من أمر فإن من المؤكد أن إيران قد قدمت عرضا جديدا واعدا من التعاون والذي يستحق المتابعة على الرغم من المخاطر.
لكن إيران هي ليست الدولة المتقلبة الوحيدة التي لديها طموحات نووية. أن من الدول التي تتمنى أن تكون نووية هي كوريا الشمالية والتي أظهرت القليل من الاهتمام بالتفاوض على صفقة وعلى العكس من ذلك فإنه يبدو أن الزعيم الكوري الشمالي كيم يونج اون يحض علماءه ومهندسيه على تسريع تطوير أسلحة نووية. إن إمكانية تهديد العالم تروق له لدرجة أنه لا يريد التخلي عنها وحتى لو أن ذلك يعني البقاء في عزلة غير رائعة بالمرة.
على الرغم من أن كوريا الشمالية لا تعتبر دولة أسلحة نووية رسميا فإنه مع استمرار أبحاثها وبرامج التطوير فيها دون انقطاع فإن من الممكن أن تصبح كذلك قريبا وفي الحقيقة قامت كوريا الشمالية بتاريخ 6 يناير بإجراء ما يبدو أنه اختبار نووي ناجح وعلى الرغم أنه على الأرجح ليس قنبلة هيدروجينية كما ادعى الإعلام الكوري الشمالي ولكن مهما كانت -على الأرجح قنبلة ذرية- فإنه لديها ما يكفي من القوة التفجيرية لتشكل تهديدا خطيرا.
إن من الواضح أنه يتوجب عمل شيء لكبح جماح الطموحات النووية لكوريا الشمالية ولكن الصين -البلد الوحيد الذي احتفظ بعلاقة طبيعية مع الشمال بما في ذلك من خلال توفير المساعدات الحيوية- تعرضت لانتقادات واسعة بسبب عدم رغبتها في اتخاذ موقف حازم وحتى دونالد ترامب -المرشح المفترض الأوفر حظا لنيل ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة والذي لا يتمتع بأي خبرة في السياسة الخارجية- يقر بالحــاجــة لموقف صيني أقوى من كوريا الشمالية على الرغم من أن ترامب كعادته يرفق هذا التأكيد المنطقي باقتراح مريب يتعلق بضــرورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقطع العلاقات التجارية مع الصين.
لكن قلة من الناس هم الذين يعترفون بأن الصين لا يمكنها تحمل مسؤولية منفردة عن جعل كوريا الشمالية دولة منضبطة فالولايات المتحدة الأمريكية وبقية العالم يجب أن يتبنوا سياسات تدعم هذه النتيجة.
إن لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري سجلا حافلا من الجرأة في التعامل مع القضايا الصعبة وخاصة في الشرق الأوسط ولكن يجب أن لا ينسى كيري أن يحول انتباهه إلى قضايا أمن الشرق الآســـيوي كذلك ومع وجود الدبلوماسية الذكية التي تساعد في حدوث توافق بين أهداف القوى ذات العلاقة فإنه يمكن لكيري أن يحدث الفرق في هذا الخصوص.
لسوء الحظ لجأ كيري إلى توجيه الاتهامات عوضا عن ذلك فلقد أعلن مؤخرا للصحافة أنه أخبر وزير الخارجية الصيني وانج ياي على الهاتف بأن نهج الصين الناعم تجاه كوريا الشمالية قد فشل. لا يوجد أحد يستمتع بتوجيه الانتقاد إليه من خلال الصحافة.. والصين هي أقل اعتيادا على ذلك مقارنة بالآخرين وعليه فإن من غير المفاجئ أن الصينيين سارعوا إلى إصدار بيان يضعون فيه اللوم على عدم إحراز تقدم مع كوريا الشمالية على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية.
إن الصينيين محقون، فسياسة أمريكا المتعلقة بالصبر الإستراتيجي مثل سياسة الصين المتعلقة بالإقناع الودي قد نجحت فقط في السماح لكوريا الشمالية بتعزيز طموحاتها النووية.
لو إن إقناع الصين باتخاذ موقف أقوى فيما يتعلق بكوريا الشمالية هو هدف رئيس للسياسة الأمريكية فإنه يتوجب عليها استخدام المستوى المناسب من الجهد الدبلوماسي والعمل مع الصين لتطوير حلول جديدة وعلى الرغم من أن العلاقات الأمريكية – الصينية معقدة للغاية وتعمل طبقا لديناميكيه غالبا ما تتميز بالمنافسة وأحيانا حتى بالمواجهة فإن الجانبين ليسا غريبين عن التعاون في الأمور ذات الاهتمام المشترك من مثل الأمور التي تحد من البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
لقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والصين في 2003 المحادثات السداسية مع كوريا الجنوبية واليابان وروسيا وكوريا الشـــمالية والتي تستهدف للتفاوض من أجل إنهاء البرنامج النووي للشمال وبعــد ذلك بســنتين تم الاتفاق على تصريح مشترك ينص على التزامات الدول بما في ذلك المتطلب بأن تقوم كوريا الشمالية بالتخلي عن جميع برامجها النوويــة. للأسف لم تتقيد كوريا الشـــمالية بالتزاماتها وحتى بعد عدة جولات من المحادثات بحيث وصلت المبادرة الدبلوماسية إلى طريق مسدود سنة 2009.
يجب أن تعمل الدول ذات العلاقة على المقاربات المشتركة وبالنسبة للصين فإن هذا يعني زيادة الحوافز الاقتصادية لكوريا الشمالية من أجل تغيير سياساتها النووية وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن هذا يعني الذهاب أبعد من الاكتفاء بتشجيع الصين على عمل المزيد وذلك عن طريق تقديم دعم حقيقي للجهود الصينية ومناقشة صريحة والتي يجب أن تبقى ضمن القنوات الدبلوماسية التقليدية.
إن تجربتنا السابقة مع إيران تظهر أن بإمكان الدبلوماسية أن تنجح وحتى في الحالات التي تبدو مستعصية ولقد حان الوقت لتطبيق نفس التعاون والالتزام بتحقيق اختراق على طريقة مجدية وقابلة للحياة من أجل إحراز تقدم فيما يتعلق بإنهاء الطموحات النووية لكوريا الشمالية.

هِل مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون شرق آسيا وعميد كلية كوربل للدراسات الدولية في جامعة دنفر