الحل في اليمن.. سياسيٌّ أم عسكريٌّ؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٩/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
الحل في اليمن.. سياسيٌّ أم عسكريٌّ؟

علي ناجي الرعوي

لا يزال التوصل إلى حل للصراع الدامي في اليمن مستعصياً على القوى المتناحرة في الداخل والأطراف الإقليمية المنخرطة في هذا الصراع فطوال ما يقارب العامين من المحادثات المتقطعة لم تتبلور رؤية واقعية للحل تقبل بها جميع الأطراف كما هو شأن خطة السلام الأخيرة التي اقترحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وتبنتها (الرباعية) الخاصة باليمن والأمم المتحدة والتي لم تترك أي أثر على صعيد تهدئة الأوضاع، بل على العكس من ذلك فقد شهدت الجبهات عقب الإعلان عن هذه الخطة سباقاً عسكرياً محموماً ومواجهات هي الأعنف منذ نشوب أول شرارة في هذا الصراع المجنون الذي يحصد كل يوم المزيد من القتلى والضحايا الأبرياء.

لقد أصبح واضحاً أن كل فريق من فرق الصراع قد وصل الى قناعة بانسداد أي افق تفاوضي وأن أية رؤى جديدة لإحلال السلام عبر طاولة المفاوضات وإن لم تأت متجاوبة مع شروطه ومطالبه ومصالحه فلا حاجة له بها.. وتحت إيقاع هذا المسلسل من الشروط والشروط المضادة وإصرار كل طرف على مواقفه فقد دخل الصراع في اليمن منعطفات جديدة جعلته أسيراً لمعادلات داخلية وخارجية معقدة تلاشت معها كل الآمال العريضة في تحقيق أي تقدم على مسار الحل السياسي أو حتى على النطاق العسكري وذلك لعدم وجود أي فرصة لحسم الصراع عبر أي من السيناريوهين في الوقت الراهن.

منذ السادس والعشرين من مارس 2015 يتنازع المشهد في اليمن تماهي السياسي بالعسكري والمناطقي بالمذهبي مما أدى إلى تعميق الانقسام في البلاد باتجاه عمودي وهذا الانقسام هو من يتجذر اليوم في كل البنى بفعل إصرار أطراف الصراع على ما أسسته تشريعياً وإدارياً واقتصادياً وعسكرياً حيث أصبح هناك جناحان لـ(السلطة) يتنازعان شرعية تمثيل الشعب اليمني ولكل جناح مؤسساته العسكرية والأمنية والاقتصادية والإدارية ومجال نفوذه الجغرافي لذا فأنصار شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي الذين يسيطرون اليوم على المحافظات الجنوبية والشرقية يرون أنهم الأقدر على الحسم العسكري في ظل ما يتمتعون به من دعم إقليمي وإسناد من قبل التحالف العربي وبالتالي فهم من يرفضون مبادرة كيري لكونها تقفز على مطالبهم في الحل وهو ما دفع بالرئيس هادي مجدداً الاثنين الفائت إلى التنديد صراحة بهذه المبادرة، مشيراً إلى أنه لن يقبل بأية خطة للسلام تتعارض مع مرجعيات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الدولي 2216 فيما يصف تحالف صنعاء نفسه من جهة أخرى أنه الذي يدافع عن اليمن وأن مجريات الحرب قد فرضت عليه وأن المدخل للسلام هو بإيقاف الحرب وفك الحصار المفروض على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية والغربية مؤمنا بأن الصراع ليس بين طرف شرعي وأخر انقلابي بقدر ماهو صراع مع تحالف خارجي يسعى الى إخضاع اليمن لإرادته ونفوذه.
وأمام هذه الصورة المتشابكة والمتداخلة للصراع في اليمن فإن أي تفكير بالحل لابد له وأن ينطلق من بوابة الطرح الاستفهامي الآتي:
ما أسباب وخلفيات الانقسام السياسي والعسكري الحاصل اليوم في اليمن؟ ما دور البعد المناطقي والطائفي والمذهبي في هذا الانقسام؟ ما تأثير الخيار الفيدرالي أو النظام الاتحادي الذي يتمسك به الرئيس هادي بوصفه خياراً تمخض عنه مؤتمر الحوار الوطني فيما يعتبره الطرف الآخر مدخلا لتقسيم البلاد والنيل من وحدتها في الصراع والانقسام القائم؟ ثم ما دور القوى الإقليمية والدولية في الحرب المستعرة باليمن؟ وهل لا يزال التوافق السياسي بين أطراف الصراع الداخلية والإقليمية ممكناً أم أن الحسم العسكري صار الرهان الناجع لحل هذا الصراع؟ حيث إن الإجابات على هذه الاسئلة هي من قد تفضي الى مقاربة جوهرية تمكن أطراف الصراع من تلمس الحلول الصحيحة والإمساك بطرف الخيط الذي يقود إلى السلام وإنقاذ الواقع اليمني الذي يقف اليوم على مفترق طرق بين ماهو سيئ وما هو أسوأ حيث ان استمرار الحرب قد تسبب في زيادة معاناة 80 % من اليمنيين الى درجة باتت معها المنظمات الإنسانية الدولية التابعة للأمم المتحدة أو المستقلة عنها تخشى من دخول اليمن مرحلة الخطر وانحدار هذا البلد نحو مجاعة محققة خلال العام 2017.
من نافلة القول إن التدهور الاقتصادي والمعيشي والاقتتال الداخلي والحرب الخارجية قد وضع اليمن في مسطرة التشريح بحيث أصبح مرشحاً للتشظي والتفتت، خصوصاً إذا ما اقتنعت القوى الدولية والإقليمية بأن حل معضلة هذا البلد أصبح فوق طاقة الاحتمال وأن أطرافه المتصارعة لم تعد قادرة على إدارة شؤون الدولة بشكل صحيح وعادل وأن الرابط القوي بين مواطنيه قد ضعف وتتفكك تحت معول العصبوية المناطقية أو الجهوية أو المذهبية لكن ما يجب أن يكون في حسبان هذه الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة بالصراع في اليمن أو تلك التي تقف على الحياد وتدعم الحلول التوافقية أن ترك اليمن يغرق بالفوضى والعنف وأن يتحول الى صومال آخر هو بالضرورة سيجعل منه ملاذا للتنظيمات المتشددة مثل (داعش والقاعدة) وغيرها والتي سيكون من السهل عليها التحكم بالبيئة الاجتماعية، التي يسيطر عليها الإحباط واليأس وهو ما قد يدفع بهذه البيئة الى التحالف مع تلك التنظيمات سيما في حضور عامل الجوع الذي يضعف قدرات الناس على المقاومة.

ومن المنطقي هنا الافتراض بأن أولويات التنظيمات الإرهابية لن تتوقف عند الاستئثار بمصير اليمن وإنما هي التي ستعمل على التأسيس لإغراق المنطقة بكابوس عمليات القتل والتخريب التي ستكلف كلا من المجتمع الإقليمي والدولي ثمناً باهظاً.. وتشي الأفعال الإرهابية التي نفذتها تلك التنظيمات خلال العام 2016 في اليمن والتي كان نصيب مدينة عدن وحدها من هذه العمليات أكثر من 45 عملية إرهابية أودت بالمئات من العسكريين والمدنيين بأن اليمن قد أصبحت واجهة لتلك التنظيمات ومن الواقعية عدم التقليل من حجم التهديدات التي قد تنتج عن استمرار الصراع مفتوحاً في هذا البلد وجعل الإرهاب يتغلغل في فراغاته.