باريس - هدى الزين
بعض الشواهد التاريخية المكتشفة توضح أن للإنسان منذ ظهوره على الأرض رغبة في توثيق بعض قصصه وإنجازاته واكتشافاته المختلفة بطرق متسلسلة وهي تمثل شكلا ما من الرسوم المتحركة، مثل بعض الرسوم في الكهوف التي ترجع للعصر الحجري والتي تصور حيوانات يتغير مكانها أو موضع قدمها بتتابع الرسومات، أو قطعة فخارية تم اكتشافها في إيران تعود لـحوالي 5200 سنة مضت توضح في خمسة صور متتالية ماعزاً يحاول القفز عالياً ليأكل من شجرة، أو صور متتابعة في مقبرة مصرية قديمة تعود لحوالي 4000 سنة مضت تصور مباراة مصارعة، أو إلى ليوناردو دافنشي وبعض رسوماته لأعضاء الجسم البشري التي تشكل تتابعاً لصور متحركة، في النهاية كل هذه الشواهد لا يمكن اعتبارها رسوم متحركة ولكن بلا شك أنها تعتبر حجر أساس في تطور هذا الفن.
العصر الذهبي لافلام الكارتون
عندما أطلق الأخوان لوميير فيلمهما الأول في العالم، لم يكونا يتوقعان أن يستولي الأميركيون على عرشهما السينمائي في السنوات اللاحقة، خاصة أن الفرنسيين هم أول من صنع الكاميرا السينمائية، ولكنهم تخلفوا في التقنية فيما بعد، ليصبحوا البلد الأكثر استيراداً للأفلام السينمائية في أوروبا لسّد الفراغ في صالاتهم، لكن شباب مدرسة الصورة في معهد "غوبلان" بباريس غيروا هذه المعادلة باختراعهم لأهم أبطال هوليود في أفلام الرسوم المتحركة، التي حازت على جوائز رفيعة في عدد من المهرجانات العالمية.
وكانت شخصية الكارتون الأميركية الأولى هو (فيليكس القط)، الذي يُعد واحداً من أشهر الشخصيات في العشرينات؛ شأنه شأن فالينتينو أو أمير ويلز، خلال فترة السينما الصامتة التي جرّبت أساليب التحريك، المأخوذة من الطريقة التقليدية لعمل الرسوم المنفصلة على الورق. ومنح ظهور الصوت امتيازاً خاصاً للأميركي والت ديزني، الذي كان قد حقق منذ ٣٢٩١ نجاحاً منقطع النظير بمسلسلات (آليس في بلاد الكارتون) و(أزوالد الأرنب المحظوظ) و(مورتايمر) النموذج الأول لميكي ماوس.
وإذا كان فيلم "كانغ فو باندا" قد سحر الملايين في العالم، فإن الفضل يعود إلى الفرنسيين: رودولف غينودين، ونيكولا مارليت، حيث قام الأول بتنشيط جميع مشاهد الفيلم. والثاني برسم شخصية بطل الفيلم.
والت ديزني ملك الكرتون
قامت صناعة أفلام الكرتون في العالم على يد عبقري استثنائي وفذ يسمى "والت ديزني"، رمى بنور هادئ خيال ملايين الأطفال عبر العقود، ومنحهم شخصيات من قبيل ميكي ماوس ودونالد داك وجوفي رفاقاً للطفولة، ومن الأميرة النائمة وسندريلا وأليس صورة مثالية لفتيات الأحلام.. تماماً كما يجب أن تكون الأحلام.
وفي فيلم تسجيلي أصدرته شركة "ديزني" عام 1939 أظهرت كيف كان يعمل "والت" وكيف تبدأ الأفكار والجمل الحوارية والمقترحات والمقاطع المبدئية، وصولاً لرسم 250 ألف لوحة أنتجت في النهاية تحفته "سنو وايت والأقزام السبعة" والذي يعتبر أول فيلم أنيماشن طويل في تاريخ السينما، وأول تجربة تحريك ملونة أيضاً، ولازال حتى اليوم ضمن أهم كلاسيكيات السينما، وربما يصير أجمل عند التعرف على كيفية صناعته من أشهر افلام الكارتون المحببة للصغيرات ساندريلا، اليس في بلاد العجائب، ملكة الثلج..فيلم السعادة الابدية.. فيلم مزرعة الاصدقاء، بيترمان.. الديناصور.
فرنسا تهتم بصناعة الكارتون وتساعد في تمويلها
وتهتم فرنسا بافلام الكارتون ذات الموازنات العالية خصوصا بعد ان هيمنة أفلام الرسوم المتحركة على الشاشة الكبيرة حيث تعرض افلام الكارتون في الصالات الفرنسية مدعومة بدعاية ضخمة خصوصا وانها افلام تلائم جميع الفئات العمرية وجميع الأذواق، وقد ساعد تطور التكنولوجيا في تطوير هذه الأفلام بشكل كبير وأصبحت مكلفة أكثر و أكثر، وذات صور وتقنيات تميزت بدقة عالية مع تفاصيل خلابة أشبه بالأفلام الحقيقية وأحياناً أجمل من الافلام السينمائية العادية.
قد تكون أفلام الرسوم المتحركة الأميركية هي الأشهر عالمياً في القرن العشرين لتنوعها الكبير وقدرتها الكبيرة والناجحة للغاية في التوزيع عالمياً، ولكن ذلك لا ينفي محاولات دول أخرى في دخول هذه الصناعة، ومن أهمها الدول الأوروبية بما فيها دول أوروبا الشرقية والصين والهند وإيران والأرجنتين والبرازيل والمكسيك، ولكن أبرزهم وأكثرهم شراسة في منافسة الرسوم المتحركة الأميركية هي اليابان بكارتونها المميز الذي اشتهر بإسم الأنمي.
وأول الرسوم المتحركة اليابانية تعود إلى عام 1917، ومن ثم استمرت الصناعة وازدهرت في الستينات على أعمال أوسامو تيزوكا، والذي قام بتحويل مجلات القصص المصورة اليابانية (المانجا) لأفلام كارتون بتقنياته وأسلوبه، والذي جعله يحصل على لقب "الأسطورة" أو "سيد الأنمي.
صناعة الكارتون ضرورة ملحة
وتعد صناعة الرسوم المتحركة اليوم من الضرورات الملحة في العصر الحالي التي فرضها تنوع الانتاج التلفزيوني من البرامج والدراما والاغاني الفيديو كليب، وقد ظهرت تجارب عديدة مثل تحريك الدمى او استخدام الخدع في تحريك الدمى وقطع الكارتون أو صنع المجسمات من مادة الصلصال وتصويرها مع تحريك الصورة بطرق سينمائية خاصة والان تطورت هذه الصناعة لتدخل في تقنية الحاسوب مما ساهم في احداث تغييرات مذهلة بعالم الكرتون والتصاميم الخاصة بالشخصيات المبدعة ولكن يجمع العاملون بهذه الصناعة بان أفلام الرسوم المتحركة ليست بالأفلام السهلة الصنع كما يظن البعض، و هي غالباً ما تأخذ وقتاً طويلاً لصنعها و مع ذلك الجهد و التعب.. وحتى اليوم لم يأخذ أي فيلم رسوم متحركة جائزة الأوسكار لأفضل فيلم بالرغم من ضخامة و شهرة شركات الإنتاج الصانعة لهذه الأفلام ووجود افلام ناجحة حصدت الملايين.
هذه الأفلام لم تكتفي بأسر قلوبنا فقط بل حققت أرباح عالمية طائلة و هائلة جعلت بعضها من أنجح الأفلام في العالم وهناك العديد من المهرجانات التي تعقد في فرنسا لافلام الكارتون احدهم يعقد في في مدينة ليون الفرنسية والذي، يستقطب ما يزيد عن سبعمئة مشارك من 40 بلداً، حسب دورته الاخيرة وهو منتدى سينمائي يهدف لخلق مشاريع مشتركة وإيجاد التمويل لهذه المشاريع، ومن بين الأفلام التي وجدت تمويلاً بفضل مشاركتها في الدورات السابقة ( فيلم “مينوسكول، وادي النملات الضائعات)، الفيلم يجمع بين التصوير الواقعي والصور المتحركة ونفذ بميزانية 10 عشرة ملايين يورو، حيث باع ما يزيد عن مليون ونصف بطاقة دخول في فرنسا، وحصل على حقوق العرض حول العالم مثل فيلم مينوسكول ووادي النملات الضائعة.
واعتبرت مدينة ليون مركز صناعة أفلام الكرتون، حيث ان معظم الأفلام التي عرضت وجدت تمويلاً كما ان مهرجان "انسي لافلام الرسوم المتحركة" بفرنسا يختص بالبحث عن أسرار انتاج افلام الرسوم المتحركة والتى اصبحت تستخدم الكمبيوتر لتدخل المجال الرقمى حتى تواكب التقدم التكنولوجي فى مجال الفن.
ومن بين الأفلام الحديثة التي استخدمت المجال الرقمي كان فيلم "بابرمان" للمخرج جون كاهرز من انتاج شركة "ديزني" وقصته رومانسية تدور أحداثها في نيويورك فى الخمسينيات وهو اول فيلم رسوم متحركة للشباب وليس الأطفال كالمعتاد.
كذلك فيلم "المتمرد" للمخرج الفرنسى فرانسوا ماكل والذى يدور حول البطلة "ميريدا" التى تتمرد على الشرطي الذى أراد مداعبتها عن طريق الإمساك بشعرها.
ويعتبر سوق التلفزيون الدولي (ميب كوم او ميب تي في) الذي يعقد في قصر المؤتمرات بمدينة كان الفرنسية على شاطئ الكوت دازور مرتين كل عام السوق التلفزيوني الدولي في جنوب فرنسا ومن اهم اسواق التلفزيون العالمية وتشارك به الدول من كل اصقاع العالم وكل صناع البرامج التلفزيونية خصوصا منها ما يقدمونه في حقل صناعة افلام وبرامج الكارتون، كما تخصص ادارة المهرجان الدولي للتلفزيون اجنحة خاص للبرامج التي تخص الاطفال بكل فئاتهم العمرية، حيث يقدم العارضون احدث ما وصل اليه الانتاج التلفزيوني في فن الكارتون واحدث التقنيات الذي وصلت اليه في هذا العصر، ويعتبر العرب اكثر المشترين لهذه البرامج نظرا لعدم وجود صناعة متميزة لافلام الكارتون في العالم العربي خصوصا مع تكاليف انتاجها الباهظة.
محاولات عربية ناجحة
بدات بعض شركات الانتاج العربية بانتاج افلام الرسوم المتحركة التي تناسب بيئة الاطفال العرب وقيمهم الاجتماعية
فقد ظهر فن الرسوم المتحركة في مصر منذ زمن بعيد فهي صاحبة التجربة الأقدم في ذلك الفن، حيث بدات التجربة عام1935 علي يد' الأخوة فرانكل' وهما شقيقان مصريان من جذور روسية، تمكنا رغم محدودية إمكانياتهما التقنية من إنتاج العديد من الأعمال وترسيخ شخصية كرتونية مصرية باسم مشمش أفندي ولكن بعد ذلك توقف انتاج الرسوم المتحركة الى أن ظهر "علي مهيب" رائد الرسوم المتحركة في مصر والشرق الأوسط الذي أسس أول ستوديو للرسوم المتحركة في الشرق الأوسط ولعل مسلسل بكار فكان من الاعمال الفنية الهامة التي تذاع في شهر رمضان المبارك و مسلسل المغامرون الخمسة.
وفي قطر انتجت قناة الجزيرة عام 2006مسلسل الاطفال "كليلة ودمنه" لعبد الله بن المقفع وهو من التراث الادبي القديم
وتدور أحداث المسلسل بين عوالم الأدب الهندي والفارسي والعربي، و تصور أحاديث الأخوين "كليلة" و"دمنة" وقصص الحيوانات الأخرى بنية تعليم الأطفال الطرائف والحكم والعبر والأمثال و تعليمهم مهارات جديدة و طرق عملية لحل المشكلات، وفي سوريا تم انتاج افلام كارتون منها مسلسل (جزيرة المغامرات) وتجري أحداث المسلسل في جزيرة جميلة فيها القديم والحديث، تمثل مكاناً تأتي إليه العائلة للاستجمام في العطلة الصيفية، حيث تحدث في الجزيرة مغامرات ذات طابع ممتع ومفيد في جو من الفكاهة والكوميديا.
وفي الامارات العربية المتحدة تم انتاج مسلسل فريج الذي امتع الاسرة خلال حلقاته الكوميدية الطريفة حيث يروي في كل حلقة خلال 15 دقيقة مغامرات أربعة عجائز من الإمارات شعاره “عند العيايز كل شيء يايز” عند العجائز كل شيء جائز.. ولكل عجوز صفات معينة تميزها عن الأخرى.. ويستخدم المسلسل اللهجة الإماراتية بشكل عفوي وبشكل طريف للغاية ويعتمد على سيناريو وقصة محكمة للغاية.. وفي كل مرة يقودنا هذا إلى قضايا اجتماعية مختلفة.