أكاديميو اليمن.. الموت جوعاً بدرجات عليا

الحدث الاثنين ٢٦/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص

عدن - إبراهيم مجاهد

الأول أدرك منذ وقت مبكر بأن الأزمة ستطول فسارع إلى العمل في مهنة جديدة، وهي بيع القات، والثاني لحقه ولكن في مجال آخر؛ حيث ذهب ليعمل في مصنع للطوب، وثالث رهن هاتفه الجوال لدى صاحب متجر المواد الغذائية، كيما يعطيه خبزاً لأولاده بعد أن تجاوز الدين الذي عليه لصاحب المتجر، السقف المحدد بكثير، ورابع وخامس وسادس، هكذا بات اليوم الوضع الذي يعيشه معظم أساتذة ودكاترة الجامعات الحكومية اليمنية، سيما في المناطق التي لا زالت تحت سيطرة جماعة أنصار الله وحزب الرئيس اليمني السابق صالح.
فالسلطات في صنعاء وعدن لم تصرف، لشريحة الأكاديميين العاملين في الجامعات الحكومية المرتبات منذ أربعة أشهر، مما جعلهم يستنفدون كل مدخراتهم حتى وصل الأمر بعدد منهم إلى بيع الذهب الخاص بزوجتهم، كيما يوفروا لقمة العيش لأسرهم التي بات البعض منها تكتفي بوجبة واحدة في اليوم، فأساتذة الجامعات لا يوجد لديهم أي مصدر دخل آخر غير مرتباتهم، ولا يقوى عدد منهم على الأعمال العضلية. قسوة الظروف أجبرت البعض منهم بالبحث عن أي عمل ولن يترددوا في مزاولة أي مهنة طالما سيوفر لأسرته ما يسد رمق جوعها.
هكذا أصبح حال معظم المدرسين الجامعيين اليمنيين في زمن الحرب، جوعا بدرجات عليا، نتيجة عدم صرف مرتباتهم منذ أربعة أشهر، وهذا هو حال أكثر من 85% نتيجة للسبب ذاته والحرب الدائرة في البلاد منذ ما يقارب السنتين.
هكذا هي الحرب لا تأتي إلا بما هو سيئ، فالفقر والجوع والنزوح والتشرد والدمر، رديف أي حرب في أي بلد فكيف بالحرب في أفقر بلد عربي في منطقة الشرق الأوسط، وكيف سيكون حال مواطنيها؟ يقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، جامي مكجولدريك إن الكارثة الإنسانية تتفاقم في وقت تسببت فيه الحرب في تخريب الاقتصاد، وفي وقف توزيع الإمدادات الغذائية، ما يدفع البلاد إلى شفا المجاعة.
وقال مكجولدريك، "الأطفال يموتون في مختلف أنحاء هذا البلد"، في حين تقول الأمم المتحدة، إن الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عامين، حرمت أكثر من 14 مليون نسمة هم نصف عدد السكان من "الأمن الغذائي"، وإن 7 ملايين منهم يتضورون جوعاً.
ويعاني بالفعل 8 من كل 10 أطفال من سوء التغذية، ويموت طفل كل 10 دقائق، وفقا لأرقام وكالة تابعة للأمم المتحدة، وتعتمد العديد من الأسر في الغالب على عائل واحد فقط، وتتزايد زيجات الأطفال، إذ يجري تزويج فتيات في سن 15 عاما في المتوسط، وربما أقل.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو 18.8 مليون نسمة في حاجة إلى نوع من الإغاثة الإنسانية، لكن المنظمة الدولية إنها تكابد لإيصال المساعدات، إما بسبب الحرب، وإما لنقص التمويل.
ويضيف مكجولدريك: "نعلم أننا في أوائل العام المقبل سنواجه مشكلات كبيرة"، ووصف الاقتصاد بأنه "مهترئ".
ويشير إلى أن نحو نصف عدد محافظات اليمن الاثنتين والعشرين توصف رسميا بالفعل بأنها تعاني وضعا غذائيا طارئا، ويمثل هذا الوضع 4 درجات على مقياس مكون من 5 درجات تعني درجته الخامسة وجود مجاعة.
وقال مكجولدريك، "أعرف أن هناك تطورات مقلقة وأن التدهور الذي شهدناه في الاقتصاد والخدمات الصحية والقدرة على إيصال الغذاء لا يعطينا إلا مؤشرا على أن الأمور ستكون أسوأ بكثير".
ما طرحه المسؤول الأممي يكشف حجم المعاناة التي يعيشها المواطن اليمني، ويؤكد أن كارثة قادمة قد تحل قريباً في هذا البلد الفقير إن لم يتدارك عقلاء اليمن هذا الوضع ويسارعوا في التوصل إلى إيجاد خارطة طريق ترشدهم إلى السلام، بدلاً عن الحرب التي قتل حتى نوفمبر المنصرم نحو عشرة آلاف مدني. سيما وأن الاقتصاد المحلي ينهار كل يوم وسعر صرف العملة المحلية ينخفض أما الدولار وبقية العملات الأجنبية.