أكبر من الزعامة الأمريكية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:١٠ ص
أكبر من الزعامة الأمريكية

أدير تيرنر

استُقبِل انتخاب دونالد ترامب في مختلف أنحاء العالم بقدر مُبَرَّر من الحيرة والخوف. فقد أتلف فوزه في أعقاب حملة انتخابية شرسة وخالية من الحقائق سُمعة الديمقراطية الأمريكية. ولكن برغم اندفاع ترامب ورغبته الانتقامية في بعض الأحيان وهو خليط فتاك في عالَم هش بالفعل فإن انتخابه لابد أن يكون حافزا لتحدي الأفكار الفاشلة وتجاوز الاعتماد المفرط على الزعامة الأمريكية المنقوصة حتما للعالم.
في العديد من مجالات السياسة العامة، لا أحد يعرف ماذا قد يفعل ترامب في واقع الأمر: وهنا مكمن الخطر. ولكن بوسعنا أن نتبين أمرا واحدا بوضوح عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية: فستكون السياسة المالية أقل إحكاما. ومن المرجح أن يكون الشكل الدقيق للحافز غير فعّال ورجعيا: إذ أن التخفيضات الضريبية الكبيرة لصالح الأثرياء ستؤدي لا محالة إلى تفاقم مشكلة التفاوت بين الناس، وهي المشكلة التي ساعدت في نجاح ترامب. أما خطط الإنفاق على البنية الأساسية اعتمادا على الإعفاءات الضريبية للاستثمار فربما تخلف تأثيرا محدودا.
ولكن اتجاه التحول في السياسات من التحفيز النقدي إلى التحفيز المالي منطقي ومعقول. ففي مختلف الاقتصادات المتقدمة، أسفر مزيج السياسات الغالِب على مدار السنوات الست المنصرمة القيود المالية المحكمة والظروف النقدية الشديدة التساهل عن نمو متواضع للدخول ولكن زيادات ضخمة في الثروات لصالح من هم أثرياء بالفعل. وإذا استفز حافز ترامب المالي إعادة النظر في السياسات في أماكن أخرى، فسيُفضي هذا إلى بعض الفوائد.
من ناحية أخرى، إذا تحدثنا عن السياسة التجارية، فربما تكون المخاطر أقل مما يبدو لأول وهلة. فإذا حافظ ترامب حقا على وعوده الانتخابية بمراجعة وتنقيح اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وفرض رسوم جمركية على العديد من الواردات الصينية، فربما يتسبب هذا في دفع الاقتصاد العالمي من النمو المتواضع إلى الكساد الصريح. ولكن النسخة الواقعية من رؤية "أمريكا أولاً"، التي تركز على إعادة انتخاب ترامب في العام 2020، ستعني في الأرجح بعض التدابير الرمزية إلى حد كبير (مثل فرض تعريفات مكافحة الإغراق على بعض الواردات الصينية من الصلب) والتخلي عن المزيد من مبادرات تحرير التجارة مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ وشراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي.
إذا كان هذا هو نطاق تدابير الحماية التي يعتزم ترامب تنفيذها، فسيكون أي ضرر قد يلحق بالاقتصاد العالمي طفيفا. ففي حين ساعد تحرير التجارة في الفترة من 1950 إلى 2000 في دفع عجلة النمو العالمي، فإن الفوائد الهامشية المترتبة على المزيد من التحرير كانت ضئيلة. والواقع أن تركيز السياسات كان من الواجب أن يتحول قبل عشر سنوات على الأقل نحو العواقب التوزيعية السلبية التي قد تنجم عن العولمة. وإذا تسبب انتخاب ترامب في تحفيز نهج أكثر عمقا في التعامل مع تحرير التجارة، فربما يفضي هذا إلى تحقيق بعض الفوائد في هذا المجال أيضا.
وعلى هذا فإن تأثير انتخاب ترامب على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي ربما يكون إيجابيا بعض الشيء، على الأقل في الأمد القريب. أما ما يجب أن يثير قلقنا بشكل أكبر كثيرا فهو التأثير المحتمل الذي قد تخلفه إدارة ترامب على السياسة العالمية والبيئة الطبيعية. وستضطر دول أخرى إلى توفير الزعامة التي لن توفرها أمريكا وتحدي الولايات المتحدة إذا لزم الأمر.
الواقع أن قِلة من تعليقات حملة ترامب يمكن وصفها بأنها ثاقبة البصيرة ونزيهة، ولكنه كان محقا عندما أشار إل أن أوروبا لا يمكنها أن تعتمد على أمريكا للدفاع عنها إذا ظلت غير راغبة في تقديم مساهمة عادلة في القدرة العسكرية. فأمريكا تنفق ما يقرب من 4% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وتشكل نحو 70% من إجمالي الإنفاق العسكري من جانب جميع أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي. وتفشل أغلب الدول الأوروبية في تلبية هدف التحالف في ما يتصل بالإنفاق الدفاعي (2% من الناتج المحلي الإجمالي) ولكنها تتوقع من أمريكا رغم ذلك أن توفر الضمانات الأمنية ضد المغامرات الروسية على سبيل المثال. ومن المؤكد أن الالتزام الصادق من قِبَل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بزيادة الإنفاق الدفاعي، ليس فقط إلى 2% بل إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، من شأنه أن يحد على الأقل من اختلالات التوازن الخطيرة في قلب حلف شمال الأطلسي.
وعلى النقيض من ذلك، يشكل وعد ترامب بتمزيق اتفاق إيران تهديدا خطيرا وغير مسؤول للسلام العالمي، فهو لن يُفضي إلا إلى تعزيز سطوة المتشددين الإيرانيين. ولكن هذا لم يكن اتفاقا بين الولايات المتحدة وإيران، بل تم التوصل إليه من خلال التفاوض الذي شاركت فيه ست قوى رائدة وأقرته الأمم المتحدة. وينبغي لهذه القوى أن توضح أنها لن تعيد فرض العقوبات، وأن أي محاولة من جانب الولايات المتحدة لفرض إرادتها من خلال تدابير تتجاوز حدودها الإقليمية ولنقل باستخدام القدرة على الوصول إلى أنظمة مقاصة الدولار كأداة للسياسة الخارجية سوف تقابَل بعمل منسق. وفي المملكة المتحدة على وجه الخصوص قد يتطلب الأمر الاستعداد للاعتراض بشكل مباشر على السياسة الخارجية الأمريكية على النحو الذي سيجده بعض المخلصين لما يسمى "العلاقة الخاصة" بيننا غير مريح.
الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة وعضو سابق في لجنة السياسة المالية في المملكة المتحدة.