سفر حتى مطلع.. البحرين

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:١٥ ص
سفر حتى مطلع.. البحرين

محمد سيف الرحبي

لا بلد يغويني بالسفر إليه مثلما تشدني إليها مصر والبحرين.. حيث لا أعد الارتحال إليهما سفراً، بل لقاءً جميلاً بوطن آخر استعيد به ومعه أزمنة تختصر في الذاكرة كأنما هي حياة أخرى نسيتها هناك ذات يوم وذاهب لاستعادتها كفرح طفولي لا يستوجب تقديم أسباب ومبررات.
بعد شهرين من زيارتها أعود للبحرين في لقاء لا يستمر أكثر من يومين.. كعادتي معها في لقاءات سريعة تبقي على حالة الاشتياق إليها كي لا تخمد جذوتها إن بقيت وقتا أطول.. أعود لأجدها في فرحتها بعيدها الوطني حيث الإضاءات والأعلام متوزعة بفرحة وطن.. وتعلق على واجهات الفنادق زينات نهايات العام حيث شجرة عيد الميلاد حاضرة وبابا نويل واقف مبتهجا بردائه الأحمر يقاوم هبوب البرد لعل ابتسامته وطيبته تدفئ العابرين.
تقدم البحرين نفسها على أنها عالم منفتح يريد تجاوز تحديات قديمة لمواجهة أخرى محسوبة على العصرنة والدخول في مناخات قرن جديد يتيح للمعرفة والاقتصاد المساحات الأوسع.
لا جديد في البحرين..سوى جمال اللقاء بها وبشعب لا يحتاج ليسألك من أي البلاد أنت حيث عرف هذه الدشداشة منذ سنوات طويلة يوم عاش عمانيون بينهم، وكما يقول أحدهم إنهم عندما غادرونا في مطلع السبعينيات شعرنا أن جزءا من شعب البحرين رحل لأنهم كانوا خير أهل وجيران وأقارب.
وأنظر إلى هذه البلاد بذات العين التي رعت المهاجر العماني منذ أن غادر بلاده المأزومة بالحروب الأهلية والفقر ليجد في البحرين وطنا وبين مواطنيها أهلا وأمنا.. فلا علاقة لي بمفترقات السياسة أو تشنجات الطائفية.. ولم أسأل أي صديق لي فيها.. وما أكثرهم.. إلى أي طائفة تنتمي ومن تناصر من تيارات، لأن الوطن أمامي واحد، القلب الذي يبهجني أن ألتقيه لثقتي بأن العماني فيه مقيم بنصاعة مواقفه.. حتى الحياد يبقى موقفا نبيلا.
اكتفي برؤية البحرين التي أحببت حيث لا أرى فيها إلاها.. بحرين الثقافة والفكر والجمال الإنساني كما تعبر عنه قلوب أبنائها بمنأى عما يفرق.. وعن العواصف الإقليمية التي تحيط وتحيق بهم.
أرى وطنا كبيرا حيث لا تقاس عظمة الأوطان بمساحاتها الجغرافية إنما بالتأثير الذي تحدثه.. وأتحدث عن تأثير إنساني نعرفه في هذه التربة منذ أن كانت يوما ما أرض الخلود وحاضرة من حواضر التاريخ الشهيرة.
أبدأ جولتي الصباحية بزيارة فريج الشيوخ.. لكنه أصبح الآن معلما سياحيا وثقافيا أنموذجا للتعلم من تجربته حيث حولت بيوت الحارة إلى قصور صغيرة تجمع فيها مفردات الثقافة والفنون.. والأهم أن دعم الفكرة جاء من مؤسسات القطاع الخاص وبعزيمة من الشيخة مي آل خليفة التي آمنت بأهمية الفكرة/ المشروع فمضت فيها.. والتجوال في تلك الحارة، وبما حدث في بيوتها القديمة، ممتع ذهنيا ومعرفيا.. وبصريا.