ماذا بعد حل وتصفية مؤسسة خدمات الموانئ؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
ماذا بعد حل وتصفية مؤسسة خدمات الموانئ؟

محمد بن أحمد الشيزاوي

shfafiah@yahoo.com

يثير حل وتصفية مؤسسة خدمات الموانئ العديد من التساؤلات بشأن مستقبل الخبرات العاملة في الشركة والإجراءات التي ستتخذها الحكومة لإدارة وتشغيل ميناء السلطان قابوس خلال المرحلة الانتقالية الحالية التي نتوقع أن تستمر حتى إنجاز المرحلة الأولى من تطوير الميناء وتهيئته ليكون ميناء سياحياً، كما أن هناك العديد من التساؤلات الأخرى التي سنتطرق إليها خلال هذا المقال. عندما نستعرض تاريخ المؤسسة نجد أنها تأسست في العام 1976 بموجب المرسوم السلطاني رقم 46/‏‏76 بهدف إدارة وتشغيل ميناء السلطان قابوس ووقعت الحكومة معها اتفاقية امتياز بتاريخ 17 نوفمبر 1976م لمدة ثلاثين سنة انتهت في 16 نوفمبر 2006م، وتم تجديدها عدة مرات لمدد مختلفة وتنتهي آخر اتفاقية في 31 ديسمبر الجاري، وقد رغبت الحكومة في تمديد الاتفاقية للعام 2017 إلا أن إدارة المؤسسة رأت أن هذا التمديد غير مجد لها ودعت المساهمين إلى اجتماع الجمعية العامة غير العادية لمناقشة حل وتصفية المؤسسة وهو ما تم إقراره في 7 ديسمبر الجاري لتبدأ عملية تصفية المؤسسة مع مطلع الشهر المقبل.

ورغم أننا نحترم قرار الجمعية العامة غير العادية بحل المؤسسة وتصفيتها، إلا أننا نجد أن هذا الحل غير مثالي وكان يمكن تجنبه في وقت مبكر منذ أن أعلنت الحكومة في يوليو من العام 2011 تحويل أنشطة الاستيراد والتصدير من ميناء السلطان قابوس إلى ميناء صحار، في ذلك الوقت كان عدد العاملين في مؤسسة خدمات الموانئ يبلغ حوالي 650 موظفاً من بينهم 400 موظف عماني أما اليوم فقد تراجع عددهم إلى 120 شخصاً، وبالتالي افتقدنا خبرات جيدة بإمكانها لعب دور رئيسي في عملية إعادة هيكلة المؤسسة أو دمجها في شركة أخرى، وقد دعونا في مقال سابق نشرناه في سبتمبر من العام 2014 إلى دمج المؤسسة، إلا أن هذا الخيار لم يطرح في اجتماع الجمعية العامة غير العادية الذي عقد في 7 ديسمبر الجاري وأقر حل المؤسسة وتصفيتها رغم أنها شركة ناجحة ولديها خبرة واسعة تمتد لـ40 سنة في مجال إدارة الموانئ وتشغيلها.

ولعله من الأهمية الإشارة إلى أن الحكومة تمتلك حوالي 35.5% من رأسمال المؤسسة البالغ 9.5 مليون ريال عماني، وقد تم مؤخراً نقل حصة الحكومة في رأسمال المؤسسة إلى الصندوق العُماني للاستثمار وفقاً للاتفاقية المبرمة بين وزارة المالية والصندوق، وهذا يعني أن الحكومة تعَد هي المساهم الرئيسي في المؤسسة، كما أن لديها 3 أعضاء يمثلونها بمجلس الإدارة من بين أعضاء المجلس البالغ عددهم 7 أعضاء. كذلك فإن وزارة النقل والاتصالات هي الجهة المختصة بميناء السلطان قابوس وقد جاء قرار مجلس إدارة المؤسسة في 20 سبتمبر الفائت بدعوة الجمعية العامة غير العادية لمساهمي المؤسسة للانعقاد للنظر في مقترح المجلس بحل المؤسسة وتصفيتها كردة فعل تجاه قرار الوزارة بتجديد اتفاقية امتياز الإدارة والتشغيل لعام واحد فقط هو العام 2017، وقال مجلس الإدارة في دعوته للجمعية العامة غير العادية للانعقاد إن هذا التجديد لا يحقق عوائد تشغيلية مجزية لمساهمي المؤسسة.
إننا عندما ننظر إلى مؤسسة خدمات الموانئ، نرى أنها شركة حكومية أو شبه حكومية تم تأسيسها لإدارة مرفق مهم من مرافق الدولة، كما أنها أتاحت من خلال إدراجها بسوق مسقط للأوراق المالية كشركة مساهمة عامة استفادة العديد من المواطنين وتحقيق عوائد جيدة من الاستثمار فيها، نظراً للنتائج الجيدة التي كانت تحققها خلال السنوات الفائتة، ولعل هذا النجاح دافع -من وجهة نظرنا- لدمج المؤسسة في مؤسسات أخرى ناجحة بدلاً من تصفيتها، وقد لاحظنا من خلال مراجعتنا للتقرير السنوي للمؤسسة وأخبارها التي تبثها على الموقع الإلكتروني لسوق مسقط للأوراق المالية طرح العديد من الأفكار والخطط، إلا أنها لم تتطرق إلى خيار الاندماج مع أي مؤسسة أخرى ولا ندري ما هو السبب في ذلك، رغم أن قرار تحويل ميناء السلطان قابوس من ميناء تجاري إلى ميناء سياحي ونقل أنشطة الاستيراد والتصدير إلى ميناء صحار تم قبل 6 سنوات، وهي فترة كافية لاتخاذ إجراءات تُسهم في تعظيم المكاسب الاقتصادية للمؤسسة وبما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني والمساهمين.
حالياً، قد يكون من الصعب إعادة مؤسسة خدمات الموانئ إلى الحياة الاقتصادية من جديد لكنه غير مستحيل نظرياً إذا اتخذت الجهات المختصة قراراً بذلك، خاصة أن الحكومة تمتلك 35% من أسهم المؤسسة، ولديها 3 ممثلين بمجلس الإدارة، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، كما أن هناك العديد من التساؤلات حول الجهة التي ستقوم بتشغيل وإدارة ميناء السلطان قابوس خلال الفترة المقبلة، ونتطلع إلى عدم وجود أية إشكاليات من هذا القبيل مع مطلع العام المقبل خاصة أن الميناء لا يزال يستقبل السفن السياحية وعدداً من السفن الأخرى التي تم استثناؤها خلال الفترة الفائتة، ولا ندري هل ستواصل رسوها بميناء السلطان قابوس خلال العام المقبل أو أنها ستنتقل إلى ميناء صحار كما هو مخطط لذلك سابقاً.
إن هذه التساؤلات التي نطرحها عبر هذا المقال نود من خلالها تسليط الضوء على أهمية تقوية الشركات الناجحة العاملة في السلطنة وعلى الأخص شركات المساهمة العامة المدرجة بسوق مسقط للأوراق المالية، وزيادة مكاسبها الاقتصادية بدلاً من تصفيتها وحلها، خاصة إذا كانت الحكومة مساهماً رئيسياً فيها، وهناك عشرات الحلول التي يمكن طرحها بدلاً من اتخاذ قرار قد يكون سهلاً بحل الشركة وتصفيتها، ولكننا نتوقع أن تكون لهذا القرار تبعات سلبية عديدة نتمنى أن يتم تجاوزها بأقل الخسائر.