النجاح في ريادة الأعمال.. السهل الممتنع

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٩/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
النجاح في ريادة الأعمال.. السهل الممتنع

بشرى الحراصية
Alharrasi.bushra@gmail.com

أشعر بالكثير من الفرح وأنا أرى الشباب العماني وهو يقبل على عالم ريادة الأعمال بكثير من الطموح والثقة في النفس وبرغبة جامحة في إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة يجسد بها طموحاته وينطلق في بناء مستقبله ليكون عنصرا فاعلا في الوطن يساهم في مسيرة التنمية التي تركز على تفعيل مختلف القطاعات لتحقيق منظومة اقتصاد نوعي ومتنوع تتجانس فيها كل القطاعات خاصة أن المرحلة المقبلة تستهدف الخروج باقتصاد عمان من عباءة النفط وتحفيز مختلف القطاعات وتطويرها لتكون مساهما فعالا في الناتج الوطني.
قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يشكل عصب الاقتصاد في كل الدول التي تحتل الصدارة في المشهد الاقتصادي العالمي، حيث يشكل هذا القطاع 85 % من نسبة المؤسسات في هذه الدول وتركيز السلطنة على تفعيل هذا القطاع وتحفيزه يجسد رؤية تستشرف المستقبل وإذا كان الطموح أحد أهم عوامل النجاح وتجسيد الأهداف المسطرة على أرض الواقع في مختلف القطاعات بما في ذلك ريادة الأعمال إلا أن هذا العنصر لا يكفي وحده، بل لا بد من منظومة عمل متكاملة تتشكل من عدة عناصر يجب التركيز على توفرها ليكون العمل وفق أسس قوية وسليمة مما يمكن من تحقيق النجاح وإنشاء مؤسسات صغيرة تنمو بخطوات مدروسة لتفرض وجودها بمعاييرها العالمية وتشكل علامة فارقة تؤهلها ليس فقط لاحتلال مكانة مهمة في السوق المحلية بل التطلع لدخول السوق العالمية بكل جدارة واستحقاق.
النجاح في ريادة الأعمال لا يتحقق بين عشية وضحاها وكل من حاول أن يقفز فوق بعض درجات سلم العمل يجد نفسه يواجه تعثرات لأن هناك عناصر أساسية واستراتيجية تشكل قاعدة العمل وغياب أي منها يؤثر سلبا على سير المؤسسة ويقود إلى ما لا تحمد عقباه، فاختيار نوع النشاط أول خطوة، إذ يجب أن يكون مدروسا بدقة، ويقدم إضافة ويلبي متطلبات يحتاجها السوق، وهنا لابد على الشباب من الحرص على عدم الوقوع في فخ الاستنساخ والتقليد وإنشاء مؤسسات نسخة طبق الأصل من أخرى حققت نجاحا خاصة أن السوق رحبة ومجالات العمل مختلفة ومتعددة، وإذا كان اختيار نشاط يتلاءم مع ميول صاحب المشروع يساهم في النجاح لأن رائد العمل حينها سيشعر أنه يمارس نشاطا يشكل جزءا من شخصيته وحينما يكون العمل بحب يكون العطاء أكثر وحتى لا يصاب صاحب المشروع بإحباط يجب أن يتأكد احتياج السوق لهذا النوع من النشاط.. وإن كان لا بد من العمل في المجال الذي يحبه يجب أن يدرس نواقص المنتج أو الخدمة في السوق ويجد قيمة مضافة يحتاجها المستهلك فما يقوم به الإنسان في هذه الحالة ليس مجرد عمل، بل هي رسالة وتجسيد للذات إلا أن ذلك لا يمنع من الانطلاق في مشاريع قد تكون بعيدة عن اهتمامات الإنسان، إذا أحس أنها تقدم إضافة للسوق شريطة أن يدرسها بعمق ودقة ويعرف عنها كل شيء من الألف إلى الياء، وكل ذلك متوفر الآن ونحن زمن الإنترنت الذي حول العالم الفسيح إلى قرية صغيرة جدا بل إلى حي واحد، ولا بد لأن يكون دخول الشاب إلى عالم ريادة الأعمال عن قناعة ورغبة وليس هروبا من ضغوط وظيفية أخرى وبحثا عن الحرية لأن إنشاء مؤسسة صغيرة سيستنفذ جهده ووقته، وتجعله ينفصل على الزمان والمكان ويتفرغ كليا لمؤسسته، خاصة في السنتين الأوليتين ليضعها على السكة الصحيحة ويرسي جذورها بعمق مما يمكنها من النمو السليم.
دراسة الجدوى الواقعية مهمة جدا لأنها ترسم أسس نجاح المشروع، وتحدد احتياجاته ونتائجه، كما أن اختيار مكان إقامة المشروع يتطلب دراسة دقيقة، وكثيرا ما يهمل البعض حسن اختيار الموظفين الذين سينطلق بهم المشروع، فالمعايير هنا يجب أن تكون دقيقة وعلمية محضة تعتمد على الكفاءة والخبرة بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، لا مجال هنا للمجاملات لأن أي موظف سيشكل عبئا ماديا على المؤسسة وهي في بداية مشوارها التي تتطلب ترشيد النفقات ووضع كل شيء في محله وبدقة متناهية في كل الأمور، لأن إرهاق المؤسسة بالمصاريف في بداية مشوراها قد يكون أحد أسباب تعثرها خاصة أن أغلب مشاريع رواد الأعمال تعتمد على التمويل الخارجي ما يجعل صاحبها مرتبطا بتسديد الأقساط في أوانها.
إذا كان من المهم جدا أن يكون رائد العمل ملما بمجال عمل مؤسسته ونوع النشاط الذي يمارسه فإن الأهم من هذا أن يشرف على العمل بنفسه ويتابعه بدقة وبصورة يومية، ولا يترك المؤسسة لغيره يسيرها كما يشاء مما قد يشكل خطرا على المشروع، والكثير من المؤسسات عرفت نهاية مأساوية لأن صاحبها سلم دفة قيادتها لغيره، وحينما غرقت السفينة وجد نفسه وحيدا يواجه النتائج، فالكثير من برامج الدعم تشترط التفرغ إلا أن ذلك يجب أن يكون قناعة لدى صاحب المشروع وليس شرطا يملى عليه، فالإشراف المباشر على المؤسسة يمكن صاحبها من اكتساب الخبرة ومعرفة أدق تفاصيل العمل مما يجعله يقف على الإيجابيات لتعزيزها والسلبيات لتلافيها وفي حالة حدوث أي تعثر يكون متابعا للمشهد مما يمكنه من اتخاذ القرار المناسب لتصحيح المسار أو الخروج بأقل الخسائر بدلا من الغرق الشامل.
منظومة من الحوافز والتسهيلات والبرامج التدريبية توفرها الجهات المسؤولة عن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عُمان حققت الكثير ومكنت العديد من الشباب من الانطلاق في مشاريع تحلق اليوم في فضاء النجاح وعلى الشباب العماني أن يعمل على الاستفادة من هذه المنظومة التي تبذل جهودا لتطويرها وتحديثها بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة المقبلة والتغيرات التي يشهدها السوق وكذلك نتائج التطبيق الميداني لها لأن هدفها الأساسي توفير أرضية عمل صلبة ينطلق منها الشباب في عالم ريادة الأعمال.