كيف أخفقت الثورة في مصر؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٣/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
كيف أخفقت الثورة في مصر؟

ترودي روبين

صادف الخامس والعشرون من يناير الفائت الذكرى الخامسة لثورة ميدان التحرير في القاهرة تلك الثورة التي نظمها شباب الفيسبوك المصريون والتي كانت رمزا للربيع العربي.

في ذلك الوقت، قضيت أياما داخل وحول ميدان التحرير أجري مقابلات مع قادة الثورة الشباب وكذلك مع القاهريين العاديين. وقد كانت هذه الأحاديث التي أجريتها معهم ملهمة، حيث ناقشت ربات البيوت وسائقي سيارات الأجرة والعمال والموظفين في المكاتب والطلاب وكيفية تحويل نظام استبدادي إلى شكل من أشكال الديمقراطية.
نحن نعلم كيف تحطمت هذه الآمال. وكثيرا من منظمي الثورة قابعون الآن في السجن أو فروا إلى الخارج. وفي الفترة التي سبقت الذكرى الخامسة للثورة، قام الآلاف من رجال الشــرطة بعـمل دوريات وســط القاهرة، وتم إلقاء القبض على نشطاء المجتمع المدني وإغلاق المدونات على الإنترنت. وكان ميدان التحرير خاليا من المتظاهرين، باستثناء عدد قليل من أنصار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
يقول شادي الغزالي حرب، وهو طبيب شاب كان واحدا من قادة الثورة: «نحن نعيش الآن في ظل نظام أكثر وحشية من نظام حســني مبارك. إن عدد الشباب المعتقلين ضخــم، بالآلاف، وحملة القمع لا يمكن تصــديقها. نحن لم نواجه أبدا شيئا من هذا القبيل من قبل، حتى في زمن مبارك، ولا في زمن آبائنا في ظل حكم جمال عبد الناصر».
ولكن، ما الخطأ الذي حدث؟
طرحت ذلك السؤال على شادي الغزالي حرب، الذي قضيت معه ساعات نتحدث في العام 2011. لماذا فشلت ثورتهم بهذا الشكل السيئ للغاية، وماذا يعني ذلك لمستقبل مصر؟ أجابني عبر الهاتف من القاهرة: «لقد حوصرنا بين جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسات الدولة (بما فيها الجيش المصري). وكنا نحن دائما الأضعف لأننا لم يكن لدينا تنظيم سليم ولم يكن هناك وقت لتشكيل مثل ذلك التنظيم. وكلاهما كان معه الأدوات التي يستخدمها ضدنا، ونحن لم نستطع أن نفعل الكثير».
لمن لا يعرفون مصر، اسمحوا لي أن أوضح الأمر. ينحدر معظم منظمي ثورة ميدان التحرير من الطبقة الوسطى المتعلمة وهم يمثلون شريحة صغيرة نسبيا من المجتمع المصري. ولكن رسالتهم، المتمثلة في المطالبة بأن يفسح النظام الاستبدادي المجال لتشكيل حكومة أقل فسادا تستمع للجمهور، لاقت صدى كبيرا لدى شريحة كبيرة من المصريين. فهي بكل تأكيد راقت للشباب؛ فأكثر من ثلثي المصريين تحت سن الخامسة والثلاثين، ومعدل البطالة لديهم يزداد ارتفاعا.
ولكن في حين أنهم تميزوا في إنتاج الحشود، لم يكن لدى قادة الثورة أي خبرة في تنظيم الأحزاب السياسية أو تعبئة الناخبين. ففي تلك الأيام العنيفة، التقيت بشادي الغزالي حرب في جروبي، وهو مقهى أصبح فيما بعد مكان اجتماع المعارضين؛ فاشتكى لي أن الليبراليين عليهم أن يتوحدوا في حزب واحد وأن يجدوا قائدا واحدا يلتفوا حوله. ولكنهم تفرقوا، ودعموا العديد من الأحزاب، وهو ما ضمن لمرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، الفوز بالرئاسة في العام 2012.
ولكن الإخوان المسلمين بالغوا في تصرفاتهم، وسعوا للسيطرة على الكثير من مقاليد السلطة وكان أداؤهم في الحكم سيئا. وقد أغضب هذا العديد من القادة الشباب (وقطاعات أخرى من الجماهير). وقد مكّن ذلك الجيش من حشد الجميع خلف الانقلاب على مرسي، ومن القيام بحملة وحشية واسعة النطاق ضد الإخوان المسلمين. وقد أدى إنهاك الجمهور وقلة الإقبال على التصويت إلى فوز السيسي، الجنرال السابق في الجيش، بانتخابات الرئاسة. وعندما جاء إلى السلطة، شعر بالحرية في سحق الديمقراطيين الشباب الذين صنعوا ثورة 2011، خشية أن يتحدوه في يوم من الأيام.
سألت شادي حرب هل فشل الثورة هو مؤشر على أن الديمقراطية حلم مستحيل بالنسبة لمصر؟ فقال على العكس «فإن الدرس الذي تعلمناه من السنوات الخمسة الفائتة هو أن السبيل الوحيد لنا للحياة هو بناء دولة ديمقراطية علمانية».
ومنطــقـه هـو: لقـــد عـــانى المصــــريــون مــــن الاســتبداد والثيوقراطية.
إن العام الصاخب من حكم الإخوان المسلمين قد خيب آمال الجمهور المصري في حكومة يقودها الإسلاميون. يصر حرب قائلا: «الشعب المصري لن يقبلهم». وفي نفس الوقت فإن عودة نظام استبدادي عسكري هو أمر تم تجربته من قبل. «إنهم خارج السياق، خارج التاريخ، وجيل الشباب لن يتسامح معهم».
ولكن هذه الحجة بها بعض النقاط غير الصحيحة. صحيح أن الحكومة الإسلامية فشلت، ولكن أي ديمقراطية مصرية مقبلة لن تكون قادرة على استبعاد الأحزاب الإسلامية التي تعمل حسب القواعد القانونية في بلد به قاعدة دينية قوية. وعلاوة على ذلك، فإن تعذيب وسجن الآلاف من الإخوان المسلمين يمكن أن يكون له رد فعل عكسي، ما لم يتم إيجاد طريقة ما لإعادة دمجهم في المجتمع مرة أخرى.
بيد أن شادي حرب محق على المدى الطويل.
لقد فشل الحكم الاستبدادي مرارا وتكرارا في تلبية احتياجات المصريين. والأداء الاقتصادي لحكومة السيسي كئيب. والنظام يبرر حملته القمعية للجماهير بالإشارة دائما إلى التهديد المتنامي من قبل تنظيم داعش. ولكن الشباب المصري لا صلة له بهذا التهديد. (ولا جاء هذا التهديد من جماعة الإخوان المسلمين).
النظام الأكثر انفتاحا فقط هو الذي يمكن أن يحفز الطاقات الشابة التي ذهبت إلى ثورة ميدان التحرير ويســـمح للأحزاب الســياسية الســـلمية بالتنظــيم والتطور. النظام الأكثر انفتاحا فقط هو الذي سيمكّن اقتصاد مصر من النمو.
يصر شادي حرب قائلا: «السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو الديمقراطية.» ولكن ما لم يوفر السيسي مساحة للنشاط السياسي السلمي فإن هذه الطاقة سوف تتعثر أو تعمل من تحت الأرض. «إذا وضعت الحكومة نهاية للاحتجاجات السلمية فإنني أستطيع أن أرى البلاد وهي تغرق في الفوضى. إن لم نكن نحن، المعارضة العقلانية، في الصورة، فإن المعارضة غير العقلانية التي تدعو إلى العنف هي التي ستسود».
بعبارة أخرى، ثورة ميدان التحرير لم تنته، ولكننا لا نعرف حتى الآن كيف ستنتهي.

كاتبة عمود في الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر