مساميري.. وجارتي العجوز..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٢٩ ص
مساميري.. وجارتي العجوز..

لميس ضيف

سأروي لكم موقفًا حصل معي شخصيًا تمهيدًا لحديث ذي شجن..

قررت يومًا أن أضفي بعض الحياة على شقتي اللندنية الباهتة.. فانبريت للبحث عن لوحات لفنانين مغمورين وطلبت من زوجي تعليقها بعد عودته من العمل. بعد طرقتين على مسمار واحد رن جرس البيت وإذ بها جارتي العجوز «تنبهني» أن إجراء أية صيانة بعد الخامسة مساء ممنوع في القانون البلدي.

اعتذرنا وأوقفنا العمل، فالحكمة تقول «عندما تكون في روما تصرف كالرومانيين» وعلينا أن نحترم نظام حياتهم. ولأن عودة زوجي من عمله تكون بعد الخامسة، ككل من في تلك المدينة، انتظرت اللوحات في قراطيسها حتى عطلة نهاية الأسبوع. وما إن بدأنا العمل يومها حتى رن جرس الباب ثانية لتنبهنا جارتنا أن العمل في عطلة نهاية الأسبوع ممنوع مراعاة لراحة الناس الذين يغرقون في النوم في إجازتهم!
كتمت غيظي وأنا أسمعها تسوق لي الأمر بالأدب والبرود الإنجليزي الشهير.
أصررت على زوجي أن يعلق اللوحات «قبل» ذهابه للعمل وأذعن -ممتعضًا- لرغبتي، فرن الجرس للمرة الثالثة ففتحت الباب غاضبة لتقول لي جارتي بخجل: «لا أقصد أن أكون فظةً أو ما شابه.. لكن صيانة المنازل قبل التاسعة صباحًا ممنوعة أيضًا».
ظهر هنا «العرق العربي» واستشطت غضبًا، لكنني عندما راجعت القانون البلدي، المنشور في الإنترنت، وجدت أنه ينظم العمل داخل المنزل ويحصره منذ التاسعة صباحًا إلى الخامسة بما يحفظ حق الجيران في الهدوء. وهو أمر لم يناسبني -نعم- واضطررت لاكتراء عامل لأداء مهمة كنا نستطيع النهوض بها مجانًا. لكن هذا القانون خدمني لمرات بعدها. فعندما قرر ملاك تغيير ديكور شققهم كنت مطمئنة بأنني سأستيقظ في وقت مناسب دون إزعاج. وأن العمل سيتوقف في الوقت المحدد لنحظى بالراحة في المساء. كما أن عطلة نهاية الأسبوع كانت هادئة دومًا. بشكل ما، شكرت هذا القانون -على صرامته- لأنه حافظ على حقي وحق الآخرين في السكينة والراحة.
سقت لكم هذا الأمر كمثال وأنا أشهد الاستياء من استهتار كثير من المقاولين في الأحياء السكنية بحقوق الناس في الراحة في منازلهم. فالعمل يبدأ مع مطلع الشمس ولا ينتهي أحيانًا إلا في السابعة مساءً! كما يبيح المقاولون لأنفسهم مواصلة العمل بالوتيرة ذاتها في صبيحة الجمعة أيضًا! ما يُحيل حياة المنازل المجاورة جحيمًا لأشهر ممتدة. وفي حين ينام المقاول في بيته قرير العين يستيقظ غيره في السادسة صباحًا يوم الجمعة على موسيقى المطارق والمناشير!
المشكلة الأساسية هي غياب إطار فني ينظم عمل المقاولات في الأحياء السكنية المعمورة. فيترك الأمر لـ«ذوق» المقاولين الذين يتحلى بعضهم بالكياسة ومراعاة الآخرين فيما لا يمانع البعض الآخر بضرب أي شيء عرض الحائط مقابل مصلحته!
القاعدة الشرعية تقول «لا ضرر ولا ضرار» وكان من المأمول أن لا تحتاج مجتمعات -تملك هذه القاعدة التي نظمت كل العلاقات بتلك الكلمات الأربع- لتنظيمات إضافية لكن الواقع يخالف الأمل. لذا نتمنى من المعنيين، لاسيما المجالس البلدية القادمة، أن تعمل على تنظيم تلك التفاصيل التي تبدو هامشية -فقط- لمن لا يعاني منها يوميًا.