خطة خليجية لتوسيع التعاون وتجاوزه

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
خطة خليجية لتوسيع التعاون وتجاوزه

فريد أحمد حسن

على عكس ما انتشر قبل انعقاد قمة قادة دول مجلس التعاون السابعة والثلاثين في المنامة الأسبوع الفائت لم يتم التطرق إلى موضوع التحول من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد بل لم يخصص له سوى فقرة واحدة في البيان الختامي جاءت على شكل توصية بمواصلة الجهود واستكمال الإجراءات ، ما وفر شعورا بالارتياح حتى لدى أولئك الذين عبروا عن حماسهم لهذا المشروع ، حيث الحفاظ على كيان منظومة مجلس التعاون التي تقترب من إكمال عقدها الرابع وعدم تفتتها أفضل من التحول الذي لن يتحقق بكامل الدول الأعضاء ولا تزال عوامل نجاحه غير مكتملة ، فهذا المشروع لا يزال في حاجة إلى دراسات معمقة وتبين مختلف الظروف والتوقعات التي قد يجانبها الصواب كون المنطقة تتعرض لمتغيرات كثيرة وتتطور الأحداث فيها بشكل متسارع يصعب معه التيقن من نجاحه .
هذا يعني أن قادة التعاون برؤيتهم المؤكدة لقدرتهم على قراءة ما يجري في الساحتين الإقليمية والدولية اختاروا بدلا من التحول إلى الصيغة الأخرى تفعيل مسيرة التعاون بين دول المجلس في كافة المجالات وتعزيز العمل المشترك والعمل على تحقيق ما يمكن إنجازه ليستفيد منه الجميع بدل التسرع في الدخول في مشروع قابل للفشل والنجاح ويصعب في حالة فشله لم الشمل من جديد .
إن تأكيد البيان الختامي على "حاجة دول المجلس إلى تكتل اقتصادي يضعها ضمن أكبر اقتصاديات العالم ، ويعزز من فاعلية الاقتصاد الخليجي وقدرته التنافسية والتفاوضية ، ويؤكد مكانة ودور دول المجلس في الاقتصاد العالمي" يعني أن "اتحادا" اقتصاديا بين دول المجلس في طريقه للتحقق وإن لم يؤطر بهذا الإطار ، تماما مثلما صار هناك "اتحاد" أمني بين دول المجلس تبين مثاله في التمرين التعبوي المشترك (أمن الخليج العربي 1) الذي تم تنفيذه أخيرا في مملكة البحرين وشاركت فيه الأجهزة الأمنية من جميع دول التعاون ، وإن لم يؤطر بهذا الإطار .
في السياق نفسه يمكن الحديث عن القمة التي عقدت بين القادة ورئيسة وزراء بريطانيا تيريرزا ماي حيث تم فيها "بحث المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك والإعلان عن الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمملكة المتحدة ، التي تعكس العلاقات التاريخية المتميزة بين الجانبين وتحدد أطر التعاون بينهما ، بهدف تعزيز علاقات أوثق في جميع المجالات" ، فما أسفرت عنه تلك القمة يؤكد أن دول التعاون كتلة واحدة غير قابلة للتفتت ، حيث ان الكتلة لا تتفتت في حالة الإعلان عن الشراكات الاستراتيجية مع الآخرين ، ليس مع بريطانيا فقط ولكن مع الولايات المتحدة أيضا والتي أكد البيان الختامي تطلع المجلس الأعلى إلى تعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية معها " .
نحن إذن بصدد تفعيل "قرارات تسهم في دعم مسيرة العمل المشترك ، وتعزيز الأمن و الاستقرار في المنطقة" و"تحقيق مستقبل أفضل لشعوب دول المجلس كافة" ، وهو ما يعني في صيغة أخرى "تحقيق التكامل في مختلف المجالات" ما يعين على الوصول مستقبلا إلى شكل من أشكال الاتحاد ، ذلك أن تحقيق التكامل من شأنه أن يسهل قرار الانتقال إلى الإتحاد لو ظلت الرغبة إليه متوفرة بعد سنين من الآن .
التوصيات التي اعتمدها المجلس الأعلى في مجال الاقتصاد والتنمية مثل تبادل المعلومات الائتمانية بين دول المجلس وتأسيس وبناء نظام ربط لأنظمة المدفوعات و قانون مكافحة الغش التجاري ومشروع سكة حديد تربط بين دول المجلس وتنظيم الفعاليات الشبابية ضمن أيام مجلس التعاون السنوية ونظام الربط الإلكتروني لبرنامج فحص الوافدين لدول مجلس التعاون ، وغيرها ، كلها تصب في تعزيز مجلس التعاون وفي التهيئة للتحول إلى الاتحاد لو تم التوافق عليه واستدعته الظروف الناتجة عن تطورات الأحداث في المنطقة .
في السياق نفسه جاء تأكيد المجلس الأعلى على المضي في سير العمل في المجلس النقدي الخليجي والسوق الخليجية المشتركة والربط المائي والاستراتيجية الشاملة للمياه وتنفيذ قرارات المجلس الأعلى الخاصة بالتعليم والخطة الخليجية للوقاية من الأمراض غير المعدية ، وكذلك مصادقته وتأكيده على تعزيز العمل الخليجي المشترك في المجالات العسكرية وتعبيره "عن ارتياحه وتقديره للإنجازات التي تمت في نطاق تحقيق التكامل الدفاعي بين دول المجلس بهدف بناء شراكة استراتيجية قوية ، وإقامة منظومة دفاعية فاعلة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات ، والخطوات التي تحققت لإنشاء القيادة العسكرية الموحدة" ، وعن ارتياحه أيضا من نتائج التمرين التعبوي المشترك ودوره في "تعزيز التعاون الأمني بين دول المجلس والتوافق الحرفي والمهني بين الأجهزة المعنية ترسيخاً لدعائم الأمن وردع لكل من يحاول المساس بأمن واستقرار المنطقة" .
من الأمور التي اهتم بها المجلس الأعلى في قمة المنامة أيضا وتصب في اتجاه تعزيز العمل المشترك بين دول التعاون تأكيده على "مواقفها الثابتة تجاه الإرهاب والتطرف ، ونبذها لكافة أشكاله وصوره ، ورفضها دوافعه ومبرراته ، وأياً كان مصدره ، والعمل على تجفيف مصادر تمويله ، والتزامها المطلق بمحاربة الفكر المتطرف الذي تقوم عليه الجماعات الإرهابية وتتغذى منه ، بهدف تشويه الدين الإسلامي الحنيف" وكذلك تأكيده على أن "التسامح والتعايش بين الأمم والشعوب من أهم المبادئ والقيم التي تقوم عليها مجتمعات دول المجلس ، وتعاملها مع الشعوب الأخرى" .
كل هذه التوصيات والقرارات وغيرها التي اتخذها المجلس الأعلى في قمة المنامة من شأنها أن تقرب وجهات نظر ومواقف دول المجلس تجاه الكثير من الموضوعات وقد تعين على التوصل مستقبلا إلى ما قد يتجاوز التعاون بين دول الخليج العربية .

• كاتب بحريني