ازدهار الاقتصاد في عهد ترامب؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٤/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
ازدهار الاقتصاد في عهد ترامب؟

كينيث روجوف

بعد سنوات من الركود، هل سيستعيد اقتصاد الولايات المتحدة عافيته للعودة بقوة خلال العامين المقبلين؟ بالنظر إلى عزم الإدارة الجمهورية المقبلة على إنعاش اقتصاد يقترب من مستوى التشغيل الكامل، ومع وعد بفرض قيود على التجارة ورفع أسعار السلع المستوردة المنافِسة، ومع احتمال تعرض استقلال البنك المركزي للانتقادات، فإن ارتفاع معدل التضخم أصبح شبه مؤكد ومن المرجح أن يتجاوز 3%. ومن المحتمل أن يرتفع نمو الناتج، ربما ليصل إلى 4%، على الأقل مؤقتاً. فهل هذا مستحيل؟ لا على الإطلاق.

يبدو أن الاقتصاد الآن بالفعل ينمو بوتيرة سنوية تبلغ 3%. وحتى خصوم السياسات الاقتصادية للرئيس المنتخب ترامب يتعين عليهم أن يُقروا أن هذه السياسات تدعم قطاع الأعمال (باستثناء التجارة). بالنسبة للقوانين التنظيمية. في عهد الرئيس باراك أوباما، توسعت قوانين تنظيم الشغل بشكل كبير، ناهيك عن الزيادة الكبيرة في التشريعات البيئية. بصرف النظر عن الظِلال الكبيرة التي يلقي بها برنامج رعاية أوباما على نظام الرعاية الصحية، والذي يمثل 17%من الاقتصاد. أنا بالتأكيد لا أقول إن إلغاء التنظيم الذي كان في عهد أوباما سيحسن مستقبل المواطن الأمريكي العادي. لكن الشركات ستكون سعيدة جدا، وربما هذا يكفي للشروع أخيرا في الاستثمار مرة أخرى. لقد أصبح تعزيز الثقة واضحا بالفعل.

هناك احتمال وجود تحفيز كبير، ويضم الرفع الهائل في الإنفاق على البنية التحتية اللازمة. (من المحتمل أن يدفع ترامب الكونجرس لمعارضة أي عجز ضخم). منذ الأزمة المالية للعام 2008، دافع الاقتصاديون عبر الأطياف السياسية على الاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة لتمويل الاستثمار في البنية التحتية الإنتاجية، حتى على حساب الديون المرتفعة، لأن المشاريع ذات العوائد المرتفعة فعالة من حيث التكلفة وتدفع المال لنفسها.
والأكثر إثارة للجدل هو خطة ترامب للخفض العام والهائل لضريبة الدخل والتي ستعود بالفائدة على الأغنياء بشكل كبير. صحيح أن وضع النقود في جيوب المدخرين الأغنياء لا يبدو فعالا مثل إعطاء المال للفقراء الذين يعيشون في وضعية صعبة. تحدثت خصم ترامب، هيلاري كلينتون، عن «اقتصاد ترامب المُريب الذي يتساقط أسفل إلى الفقراء». لكن، سواء كان ذلك صحيحا أو لا، من شأن التخفيضات الضريبية أن تكون مفيدة جدا لكسب ثقة الشركات.
من الصعب معرفة مبلغ الديون الإضافية التي سيضيفها البرنامج التحفيزي لترامب، لكن تقديرات 5 تريليونات دولار خلال عشر سنوات تبدو حقيقية -أي بزيادة قدرها 25%. كثير من المعلقين الاقتصاديين اليساريين، أصروا لمدة ثماني سنوات في عهد أوباما على أنه ليس هناك أي خطر في اقتراض الولايات المتحدة، واليوم يحذرون من أن رفع الاقتراض من قبل إدارة ترامب سيمهد الطريق إلى حرب مالية. في الحقيقة، إن نِفاقهم مثير، حتى لو أنهم الآن أقرب من الصواب.

ومن الصعب أيضا معرفة كم من ســياســات ترامب سترفع الإنتاج والتضخم بالضبط. كلما اقترب اقتصاد الولايات المتحدة أكثر من القدرة الكاملة، كلما زاد التضخم. وإذا كانت الإنتاجية في الولايات المتحدة قد انهارت حقا بقدر ما يعتقد كثير من الخبراء، فمن المرجح أن يرفع أي حافز إضافي الأسعار أكثر من الناتج بكثير، فالطلب لن يُحدث عرضا جديدا.
من ناحية أخرى، إذا كان الاقتصاد الأمريكي حقا لديه كميات هائلة من الموارد غير المستغَلة ومن العاطلين عن العمل، فيمكن أن تؤثر سياسات ترامب على النمو بشكل كبير. في المصطلحات الكينزية، سيكون لها تأثير مضاعَف على السياسة المالية. فمن السهل أن ننسى أن أكبر قطعة مفقودة في الانتعاش الاقتصادي العالمي هي الاستثمار في الأعمال التجارية، وإذا بدأ الإقلاع الاقتصادي في نهاية المطاف، سيعرف كل من الإنتاج والإنتاجية ارتفاعا ملحوظا.
يَدعي أولئك الذين يتشبثون بشدة بفكرة «الكساد الاقتصادي» أن نموا مرتفعا في عهد ترامب سيكون من شبه المستحيل. ولكن إذا افترضنا -كما أعتقد شخصيا- أن النمو البطيء في السنوات الثمان الفائتة يرجع أساسا إلى عبء الديون والخوف من أزمة العـــام 2008، فإنه ليس من الصعب جدا أن نصدق أن التطبيع قد يكون أقرب بكثير مما كنا ندرك. في كل الأحوال، لكل أزمة مالية نهاية.
بالطبع، هذا جدال متفائل على حالة الاقتصاد في عهد ترامب. وإذا ثبت أن الإدارة الجديدة غير منظمة وغير كفأة (إمكانية حقيقية)، فإن الاكتئاب سيطغى على الثقة بسرعة. لكن حذار من النقاد الذين هم على يقين أن ترامب سيجلب كارثة اقتصادية. عشية الانتخابات، أصر بول كروجمان، الصحفي بجريدة نيويورك تايمز، بشكل لا لبس فيه أن فوز ترامب من شأنه أن يؤدي إلى انهيار سوق الأسهم، مع عدم ظهور أي انتعاش في الأفق. ولقد خسر المستثمرون الذين اعتمدوا على اكتشافاته الكثير من المال.
ربما هذا الكلام فيه شيء من الغلو، لكن من الحكمة أن نتذكر أنه ليس من الضروري أن تكون شخصا لطيفا لتحقيق اقتصاد جيد. في جوانب كثيرة، نجحت ألمانيا مثل أمريكا في استخدام التحفيز لإنقاذ الاقتصاد من الكساد العظيم العام 1929.
نعم، ليس من المستبعد أن تكون النتيجة سيئة جدا. فالعالم محفوف بالمخاطر. وإذا انهار النمو العالمي، سيعاني النمو في الولايات المتحدة بشدة. ومع ذلك، من المرجح أنه بعد سنوات من الانتعاش البطيء، قد يكون الاقتصاد الأمريكي في نهاية المطاف على استعداد للتحرك بشكل أسرع، على الأقل لفترة من الوقت.

كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي سابقاً،

وأستاذ علوم الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.