هافينغتون بوست عربي
رغم أنه نشأ فقيراً وأمياً في مزرعةٍ صغيرة في نهاية إحدى ترع الري، كان أحمد فوزي، الميكانيكي الذي يبلغ من العمر 25 عاماً، يعلم منذ صغره أن هناك شيئاً غير عادي بخصوص هذه المنطقة التي يعيش بها من دلتا النيل.
ففي أثناء نزهاته بصحبة والده على الطريق الترابي المتجه إلى مدينة قويسنا، مركز محافظة المنوفية، كان والده يشير إلى المنازل التي وُلِدَ بها عدة ساسة مصريين نافذين وقادة عسكريين.
تحدَّث فوزي لمجلة "فورين أفيرز" في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وتذكر معرفة والده الموسوعية بأعلام المنطقة وهو يشير إلى المباني قائلاً "هنا صلى رئيس الوزراء السابق كمال الجنزوري، وفي هذه المدرسة كان يدرس القائد العام السابق للقوات المسلحة المصرية محمد الجمسي".
وينحدر أربعة من آخر خمسة رؤساء لمصر من المنوفية، موطن فوزي. فالرئيس المصري الراحل أنور السادات، والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، يعتبران من أبناء المحافظة، رغم أن عائلاتهم هاجرت إلى القاهرة قبل ولادتهم، ومثلهم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، والرئيس السابق عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية، الذي خدم لفترةٍ وجيزة كرئيسٍ مؤقت بعد إطاحة الجيش بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر؛ محمد مرسي في العام 2013.
وبخلاف الأربعة السابقين فإن محمد مرسي قد ولد وعاش في محافظة الشرقية. كما يعود أصل صدقي صبحي، وزير الدفاع المصري الحالي، وأحد الخلفاء المحتملين لعبد الفتاح السيسي إلى محافظة المنوفية أيضاً، وكذلك إبراهيم محلب، الذي كان رئيساً للوزراء تحت ولاية السيسي حتى سبتمبر/أيلول 2015.
تبدو قائمة المسؤولين المدنيين والعسكريين الذين ينحدرون من هذه المحافظة مدهشة، خاصةً حينما نضع في الحسبان أن المنوفية هي سابع أصغر محافظة في مصر (من أصل 27 محافظة)، والمحافظة الحادية عشرة من حيث عدد السكان.
أثناء دخول أحد القطارات لمحطة القطار الصغيرة في قويسنا، علَّق فوزي على هذا الأمر ساخراً بقوله: "نحن ننتج الرؤساء كما تنتج بعض الأماكن الأخرى الأثاث".
نمو سكاني وظهير صحراوي
برغم إرثها من المدارس عالية الجودة، والعدد الكبير من الساسة والعسكريين البارزين الذين أنتجتهم المحافظة، فإن المنوفية فقيرة للغاية.
تمثِّل المنوفية إحدى محافظتين في مصر تفتقران إلى الظهير الصحراوي قليل الكثافة السكانية، الذي يمكن ريّه واستصلاحه؛ فهي عاجزة عن توسيع رقعتها الزراعية، وعانى اقتصادها الزراعي جرّاء النمو السكاني الذي شهدته. ويعيش سكان المنوفية في منازل أصغر حجماً من المتوسط القومي، وتُعَد المحافظة من بين المحافظات الأدنى مرتبةً من حيث عدد أسرَّة المستشفيات بالنسبة للفرد في مصر.
وهكذا، يبدو أن المصدر الثالث لنجاح المنوفية كان الهجرة الكبيرة لسكانها، الذين انتقلوا على مدار الأعوام من محافظتهم إلى أماكن أخرى بمعدَّلاتٍ تفوق مثيلاتها في المحافظات الأخرى.
وفي القاهرة المجاورة، يسيطر المزارعون الذين تعود أصولهم إلى محافظة المنوفية وعائلاتهم على أحياء بأكملها، خصوصاً حي شبرا الخيمة الصناعي. (والأكثر من ذلك أن العديد من الأكشاك الشهيرة لشطائر الهوت دوج الحلال في نيويورك من المفترَض أن أشخاصاً من المنوفية يديرونها). وقد خفَّفت الهجرة بعض الضغوط عن المحافظة، وأوجدت فرصاً لأولئك الذين استمروا في العيش بها.
تغرق مصر في أزمة اقتصادية لا تُظهِر سوى القليل من المرونة. فالطبقة الوسطى مذعورة في ظل ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة؛ ويعاني الفقراء في ظل نقص السلع الأساسية مثل السكر وحليب الأطفال. وتهاوت شعبية السيسي في كثير من المحافظات جنباً إلى جنب مع قيمة الجنيه. وإذا اعتبرنا تاريخ المنوفية مؤشِّراً، فإن المحافظة ستبقى أكثر تأييداً لقادة البلاد عن أغلب المحافظات الأخرى.