إن هناك الكثير من الدواعي المستقبلية التي تفرض تقريب وجهات النظر بين القطاعين العام والخاص في الكثير من الأمور الهادفة إلى رسم جديد للعلاقة بين القطاعين الهامين، وإيجاد الكثير من القواسم المشتركة الجديدة، ومعالجة القضايا العالقة بين القطاعين، والوقوف على الكثير من التحديات التي تواجه الطرفين في العمل في الكثير من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، وإيجاد فهم و رؤية مشتركة لقضايا سوق العمل الذي يشهد جدلا واسعا بين الأطراف المعنية وتنظيمه على نحو يسهم في إيجاد حلول للكثير من المشكلات التي كل طرف ينظر لها من زاوية التي تهمه، الأمر الذي يفترض أن يجلس مجلس الوزراء ورجال الأعمال تمثلهم غرفة تجارة وصناعة عمان مع بعض لإيجاد رؤية مشتركة وهادفة لبناء المستقبل وإيجاد رؤية مشتركة بين الجانبين فليس هناك مايمنع ذلك إذا رغبنا أحداث تغيرات في المرحلة القادمة تهدف إلى العمل المشترك وإعطاء دفعة قوية للعديد من الأمور التي تهم البلاد والعباد.
فبلاشك حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- ورعاه دائماً يؤكد. بأن القطاع الخاص شريكاً في التنمية مع القطاع العام (الحكومة) وأهمية بناء هذه الشراكة للبناء المستقبل لهذا الوطن وأبناءه، بل يعزز جلالته من دور الشركات والمؤسسات في الإسهام الفاعل في التنمية في البلاد، إلا أننا لم نلاحظ بأن هذه الشراكة تتجسد في الواقع في البلاد في العديد من الميادين، وإنما نلاحظ تباين في الرؤى بين القطاعين وتعارض بينهما في العديد من الجوانب، اختلاف في الكثير من المنطلقات الهادفة لبناء هذا الوطن وأبناءه، والكل يدلي بذلوه حول ما يعانيه من تحديات والروتين وبيروقراطية في الكثير من المجالات الإدارية وتشجيع الاستثمار في البلاد، وهو ما يطرح أهمية أن يجلس النقضين على طاولة لحلحلة هذه القضايا ومعالجة هذه المشكلات ووضع رؤية مشتركة بينهما فيما يهم صالح البلاد والعباد، بدلا من الحالة التي تهمين على الساحة المحلية والتي يكون ضحيتها الوطن والمواطن بطبيعة الحال لعدم التعاطي الإيجابي كما يراه كل طرف وانعكاساته. إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يتطلع إليها جلالة السلطان المعظم - حفظه الله - ليست أماني أو تطلعات أو خطب من الكلمات وإنما علاقة استراتيجية يجب أن تتجسد على أرض الواقع بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وتتمثل في التقارب وجهات النظر وتدارس كل السبل التي من شأنها الارتقاء بهذا الوطن وأبناءه، وليس الجلوس في أبراج عاجية والتلويح والتصريح هنا وهناك بأن القطاعين شريكين في التنمية وغيرها في حين الواقع يقول عكس ذلك، فهذه الحالة يجب أن تنتهي إلى غير رجعة، والنزول إلى الواقع من أجل عُمان وأبناءها، فيكفي كل الكلام من كل طرف وعلينا بالعمل منهما.
إن هذه الدعوة التي نطلقها ليس عابرة ومن قبيل التمني أو لقاءات البرستيج أو البرتوكول، وإنما من واقع ما نعايشه من معاناة القطاع الخاص من إجراءات حكومية بيروقراطية مهلكه للاستثمار في البلاد، وروتين قاتل لم يقتل عجلة العمل الاقتصادي كل يوم ويؤخرنا إلى ديل القوائم في التنصيفات العالمية المختلفة، ويبعد الاستثمارات الخارجية بل والوطنية عن هذه الأرض ويقذف بها للخارج، بل ويؤجج الضغينة بين الطرفين في عدم الثقة بينهما، ويلوح كل واحد ضد الآخر بعدم المسؤولية والجشع إلى آخره، وفي الجانب الآخر يضغط المواطن في الكثير من الجوانب من أهمها بأن العمل في القطاع الخاص غير جذاب وغير محفز، وأن العمل في الشركات ليست له مستقبل، وهكذا دواليك نسمع تراشقا من هنا وهناك بدون ما نحتوي هده المشكلات من خلال شراكة حقيقية في البداية تجلس على طاولة للاطلاع على التحديات والقضايا وتضع لها الحلول العملية والعاجلة التي تسهم في دفعة عجلة العمل إلى الأمام، وتحلل كل التحديات التي تعوق عمل القطاع الخاص وتدفعه إلى الأمام، إذا فعلا الحكومة جادة فيما تعلنه وتصرح به، لأنه الكثير من الكلام والقول عن الشراكات إذا لم يقترن بالعمل الحقيقي والجاد والممارسة الفعلية في الميادين، فهذا أشبه بالفقاعات التي تطلق في الهواء لأغراض ذر الرماد على العيون ليس أكثر.
إن الدواعي التي نرى بأن يكون هذا اللقاء ودورياً سنوياً ويصاحبه برامج عمل وتقييم ليس كبيراً كما قد يراه البعض، أو عملاً جباراً لا يجب أن يكون إلى غير ذلك من التفسيرات المتوقعة أو الافتراضات، فالواقع وما وصل إليه، والتحديات والتعقيدات التي يواجهها رجال الأعمال في أعمالهم، ومستقبل أبناءنا وكيفية استيعابهم كفيلة بأن تجلس الحكومة والقطاع الخاص لوضع مرئيات مشتركة لمعالجة هذه التحديات ورسم رؤى مستقبلية تعزز من الشراكة بين الجانبين وتقرب وجهات النظر في الموضوعات العالقة بين الطرفين، ومعالجة الكثير من الإشكاليات التي تقف عائقاً نحو العمل المشترك الفعلي.
طبعاً هناك لقاءات مشتركة بين أعضاء من الحكومة ورجال الأعمال بين حين وآخر وخاصة الوزارات المعنية، لكن ذلك لا يكفي وبدون برامج عمل واضحة، وليس له أجندة وتقييم واضح سنويا أو مرحليا يقف على العديد من القضايا التي تهم الوطن والمواطن، وتسهم في دفع القطاع الخاص نحو ما يجب أن يكون عليه، وليس هناك قطيعة بين القطاعين، لكن وجود اجتماعات عالية المستوى بين الحكومة بكامل أعضاءها ورجال الأعمال ليس بصعب أو غالي تحقيقه بين القطاعين إذا كلاهما واعٍ لمسؤوليته وقادر على التضحية من أجل هذا الوطن وأبناءه، وليس متعالي عن مثل هذه اللقاءات إذا كانت سوف تصب في مصلحة الوطن، فليس هناك ما يمنع أن يجلس الطرفين ويعقدا كل سنة اجتماعات يناقشا مستقبل العمل والشراكة بينهما.
إن المرحلة القادمة تستدعي أن يتنازل كل طرف عن يؤمن به أو بالأحرى يتمسك به من وجهات نظر أو مواقف، فالأوضاع تفرض المزيد من التضحيات والعمل المشترك الحقيقي أو ليس اللفظي الذي يجب أن يترجم في الواقع على هيئة فهم مشترك لكل قطاع توجهاته و خططه أولا، ووضع رؤى مشتركة بين القطاعين لتحقيقها، الوقوف على المشكلات التي تواجه كل طرف وإيجاد الحلول لها بأسرع وقت ممكن. نأمل أن يتحقق هذا اللقاء ويكون دوريا من أجل هذا الوطن وأبناءه وأن يتنازل كل طرف عن كبرياءه في الجلوس مع الطرف الثاني، لرسم مستقل أفضل لعمان وأبناءها فهم على ما يبدو ضحية هذا التباعد والتراشق والله ما وراء القصد.