تجسير لريادة الأعمال

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
تجسير لريادة الأعمال

علي بن راشد المطاعني

إذا كان اهتمام الدولة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة إحدى المهام التي تناط بها، وجزءاً لا يتجزأ من واجباتها الوطنية، فإن اهتمام مؤسسة خاصة بذات الشأن يعدّ تطوراً ينمّ عن الإحساس بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية التي تمليها الواجبات على القطاع الخاص تجاه الوطن والمواطن، وعندما تولي جهة حكومية اهتماماً بهذا الجانب من العمل الوطني، فإن ذلك تؤجر عليه من خلال توفيرها أطقم موظفين وموازنات سنوية تدرّ عليها من خزينة الدولة، ولكن أن تنبري مؤسسة خاصة وتتبنى نهج الاهتمام بشرائح من رواد الأعمال، فإن ذلك يعبّر عن مسلك حميد ينمّ عن الامتنان للوطن وأبنائه والوفاء بالجميل له بالأجمل منه.

وعندما تعزّز الجهات الحكومية المسؤولة عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هذه الفئة من الشركات فإن ذلك يعدّ من الثوابت التي ينبغي أن تنهض بها وتحاسب عليها في إطار عملها الممنهج وفق المرسوم السلطاني بإنشائها، لكن أن تنتهج جهة خاصة ذلك النهج، فإن ذلك هو المتغير الإيجابي في معادلة العمل الوطني الذي يميز بعض رجال القطاع الخاص الذين ارتأوا أن من الواجبات عليهم أن يصنعوا رجال أعمال من الشباب يحاكون بداياتهم الصعبة التي بدأت من الصفر وتنحت في الصخر، مقدّمين هذا الإرث في بناء المؤسسات والخبرات المتراكمة عبر مؤسسات اختطت ذات المنهجية وإن اختلفت السبل والوسائل وفق متطلبات العصر. وعندما تدعو الجهات الحكومية عبر برامجها التوعوية لريادة الأعمال وعبر وسائل الإعلام، وتحث الشباب على الانخراط في هذا المجال، فهذا دورها الطبيعي المعتاد من هكذا جهات، ولكن عندما تقترن الدعوات بالأعمال كواقع ممارس من مؤسسات نذرت نفسها لوضع لبنات لإيجاد رواد أعمال يشقون طريقهم إلى جادة الصواب، فإن ذلك هو المسار الصحيح الذي يجعل العمل يتكلم عن نفسه ويحمل الآخرين مسؤولية الحديث عنه كتجارب واقعية جديرة بالاحتذاء.

وعندما تتبنى جهات حكومية قرارات ملزمة بتخصيص مناقصات لمؤسسات صغيرة ومتوسطة بنسبة عشرة بالمائة وتعاني من إيجاد آليات لتنفيذ هكذا قرارات من جهات حكومية لا تقل مسؤولية، وتأتي جهة خاصة وتنتهج توجّها يدعو الشركات الكبيرة إلى أن تقدم جزءاً من أعمالها لبناتها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن طيب خاطر، ورغبة جادة بإتاحة الفرصة والمجال للآخرين، فإن ذلك هو الإنجاز على أرض الواقع والدعم الأكبر لريادة الأعمال في البلاد، خاصة عندما تعطى لرائد الأعمال عقداً وليس قرضاً، وبرضا وقناعة وليس تكليفاً يأتي من أعلى الهرم، فهذه المكاسب وتلك المبادرات تحفز الشباب وتفتح الشهية للحديث وتبهج النفس بالأمل بأعمال نبيلة لقيادة الشباب لمستقبل أفضل.

وعندما يجلس رجال الأعمال بكبريائهم وخبراتهم مع أبنائهم الصغار الذين يلتمسون طريقهم إلى المستقبل، فإن تلك المشاهد هي التي نريدها أن تتكرر في كل الشركات التي ينبغي عليها أن تحتضن الأجيال وتوجههم إلى ريادة الأعمال، وهذا ما ينتهجه مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مسار تشجيع رواد الأعمال، وهذا هو المسلك الصحيح الذي يتبناه منذ أربع سنوات في إطار مواكبته لخطط الدولة وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فهذا المسار فرّخ أكثر من أربعمائة وستين رجل أعمال واعداً يتقفى أثرهم آلاف من الشباب الصاعد نحو العمل الحر، ومؤسسات كهذه تعد منارات إشعاع في ريادة الأعمال تتوهّج شعلتها يوماً بعد آخر بالمزيد من الأفكار والمبادرات التي تنير الدرب لرواد الأعمال.
فتدشين مبادرة تجسير الهوة بين الشركات الكبيرة وبين رواد الأعمال، وأطلق عليها «تجسير» لتجسير الفجوة وتضييق المسافات بين أبنائنا رواد الأعمال وبين رجال الأعمال عبر شراكات تمنح رواد الأعمال جزءاً من الأنشطة من الباطن، وتتيح لهم سبر أغوار الشركات الكبيرة، والاطلاع على أسرار العمل الاقتصادي الناجح، والأخذ بتلابيبه للوصول إلى القمم يقرّب المسافات المتباعدة ويضيّق الفجوات المتسعة بين الأجيال ويبلور أفكارا مشتركة لبناء قدرات وطنية فاعلة.

فمبادرة «تجســـير» التي أطلقها مركز الزبير للمؤســسات الصغيرة والمتوســـطة، تختزل الكثير من الجهد والتعب على رواد الأعمال في الحصول على مشاريع في مختلف الأنشـــطة من الشـــركات لأنها جاءت طوعا تقدّم قرابينها لأبنائها كي يقتربوا منها متنازلة عن أعمالها لتمنحها لمن تتوسّــــم أن يكونوا منافســـين لها غدا ولكي تفرح بهم يوما ما، عندما يجاورونها في التنافــس على مناقصة هنا أو هناك، كالأب الذي يفرح بأبنائه وهم يشقون طريقهم للنجاح.
وإذا كانت الجهات الحكومية المختصة بهذه المؤسسات عاجزة عن التوفيق بين الوزارات وبين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في منح نسبة 10 بالمائة من المناقصات الحكومية لرواد الأعمال رغم النداءات والمناشدات والتوجيهات، إلا أن مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمبادرة تجسير، استطاع ان يُجلس الجانبين وجها لوجه للتحاور على الأعمال التي لدى الشركات وتعرف كل طرف على الآخر، ومناقشة كيفية استفادة رواد الأعمال من ما لدى الشركات الكبيرة من أعمال وكيفية احتضانها لرواد الأعمال.
هذه المبادرة تفتح آفاقاً كبيرة أمام رواد الأعمال عندما تعرض 30 شركة من كبريات الشركات في البلاد مشاريعها وأعمالها على أبنائنا لكي يشاركوها النجاح الذي تقدمه، ويعزز مسيرتها في العمل التجاري، وبذلك تأخذ بأيديهم إلى ريادة الأعمال الحقيقية وليست المصطنعة، وتقدم لهم تجاربها وقصص كفاحها في طريق العمل الحر، ‏فمن هذه المخاضات الصعبة لولادة الشركات الكبيرة ومعاناتها في طريقها، يتعلم الأجيال الصنعة من أهلها كما يقال، وينقلونها إلى غيرهم.
فتجسير ليست مبادرة لجمع الأطراف الكبيرة والصغيرة مع بعضهم البعض، وإنما هي منهاج عمل جديد تبناه مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سبيل رعايته واهتمامه برواد الأعمال يعزّز مسيرتهم وتطلعاتهم من خلال الاحتكاك برجال الأعمال والتعرف على مكامن النجاح لكي يحققوا أهدافهم وأمانيهم في أن يكونوا غداً رجال أعمال، فتجسير الهوة ليس فقط بالحصول على أعمال ومشاريع، وإن كانت أحد المرامي، لكن بكسر الحواجز بين الكبار والصغار وهو أحد المكاسب لفتح الأبواب وإزالة اللبس في سوء الفهم الذي يخيم على البعض في الاقتراب من الآخر، بل يتعرف رجال الأعمال على أفكار الناشئة من الأجيال وأفكارهم في التعاطي مع الواقع وابتكاراتهم في تطوير الأعمال التجارية وإدخال التكنولوجيا في العمل التجاري وتحسين الأداء والإنتاج من خلال استخدام الآلة، فما عرضه بعض رواد الأعمال أبهر الشركات بكيفية إنجاز الأعمال ببعض الابتكارات الجديدة وتوظيفها.
إن مثل هذه الخطوات الهادفة إلى تقريب رجال الأعمال من أبنائهم ذات مدلولات كبيرة في الكثير من الجوانب التي تهدف إلى صناعة ريادة أعمال حقيقية تحاكي بدايات كبار رجال الأعمال وصبرهم في بناء مؤسساتهم، وهذا بحد ذاته أكبر تطور تحققه مثل هذه المبادرات التي تختـزل الكثير من الجهــد والمشــقة وتكســـر الفجـــوة بين الأجيال.
نأمل لمثل هذه المبادرات النجاح وأن تأخذ وضعها في غيرها من الشركات والقطاعات الحكومية والعمل على تجسير الفجوات بين الأجيال والجهات، فهي بوابة النجاح التي تفتح آفاقا أوسع أمام أبنائنا رواد الأعمال وتمهّد الطريق لهم لمستقبل أفضل يبنى على مزيج من حماس الشباب وعنفوانهم وتراكم الخبرات ورحيق السنين من التجارب التي تبلور روادَ أعمال يضعون بصماتهم المستدامة في السوق.