مسقط – محمد محمود البشتاوي
يبدو أن موسكو لم تعد تؤمن بـ»عالم متعدد الأقطاب»، الذي من الصعب تحقيقه، في ضوء التجاربِ السابقة. هذا ما يمكن تلخيصهُ حول رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أكد تمسك بلاده بالدفاع عن مصالحها القومية، واحترام «مصالح الآخرين»، ووفق هذا المنطق، تتم بناء العلاقات الخارجية لروسيا.
رؤية ثابتة
لا شيء يدعو الكرملين لتغيير رؤيته، لاسيما أن التحولات في العالم تسير لصالحهِ؛ فحلبَ «قاب قوسين أو أدنى» من انتهاء معركتها، المعارضة تبادرُ إلى الهدنة، والقوات الحكومية تتقدم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيانٍ أصدرهُ أمس الأول الثلاثاء.
في ليبيا..، وبعدما فقدت روسيا إحدى مناطق نفوذها، تعود موسكو إلى الساحة عبر حلفاء جدد ربما أبرزهم اللواء خليفة حفتر، الذي زار الكرملين نهاية نوفمبر الفائت، والتقى بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ووزير الدفاع سيرجي شويجو، ومجلس الأمن القومي في موسكو، «لتوطيد العلاقات بين البلدين».
وقد يكون التحول الأبرز في هذا العام، رحيل فريق أوباما عن البيت الأبيض، ومجيء دونالد ترامب رئيساً جديداً لطالما أظهر إعجابه بـ»الصديق» بوتين، فيما أشادَ الأخير، في مقابلةٍ أجريت معه مطلع الأسبوع الجاري، بذكاء الرئيس الأمريكي الجديد.
يأتي هذا في سياق صعود الحركات القومية في أوروبا، التي ترى في «روسيا أكبر إلهام لها، وأن رئيسها فلاديمير بوتين هو قائد العالم الحر، والمدافع عن قومية أوروبا ضد التحديات الجديدة»، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» أمس الأول.
ضمن هذه الحدود، تخطو موسكو نحو عتبات العام 2017، دونَ تحوُّلٍ في سياستها الخارجية، بل على العكس، تتمسك برؤيتها للعالم في العام الجديد، مع تأكيدها على تحقيق مصالحها القومية.
واشنطن في المقابل، ما تزال تسعى أيضاُ إلى مكافحة ما سماه «النواب الأمريكي» بـ»النفوذ الروسي»، إذ وافق في ضوء ذلك، على مشروع قانون لتمويل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في العام 2017، لإنشاء لجنة خاصة لمواجهة «التدابير الروسية الفعالة في بسط النفوذ السري على الشعوب والحكومات».
مركز دراسات روسيا والعالم «كاتيخون»، نشر تحليلاً مطولاً أكد أن «الآن هو الوقت الأنسب لتقدم روسيا أكثر من مجرد رؤية للعالم»، وهو عنوان المقال الذي كتبهُ رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة العالمية»، والمسؤول في منتدى فالداي الدولي، فيودور لوكيانوف.
وبحسب التحليل الذي اطلعت عليه «الشبيبة»، فإن «نموذج النظام العالمي المفتوح والشامل، والذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤهــا أصبح شيئاً من الماضي. الطبقات الحاكمة في الدول الرائدة مجبرة من قبل مواطنيها على تحويل انتباهها إلى الشؤون الداخلية، في حين أن خططها للتوسع في الخارج، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية قد وضعت على نار هادئة».
ويشير لوكيانوف إلى أن «هذه الخطط التوسعية من غير المرجح أن تصل إلى وقف تام، ولكن ذلك التوجه في مرحلة ما بعد الحرب الباردة نحو الهيمنة العالمية كان عنيفا جدا وسريعا جدا بالمقاييس التاريخية، ولكنه يسير الآن نحو الاضمحلال».
منطق تصرفات موسكو
الكاتب والمحلل الروسي يؤكد: «هناك عاملان يحددان منطق تصرفات موسكو ويساعدانها على تحقيق الانتصارات. أولاً، الخوف لدى العديد من البلدان غير الغربية من الوقوع في مرمى سياسة الولايات المتحدة التي قد تحفز عمليات الدمج المعادية للغرب. وثانياً الأخطاء الحمقاء جداً لكل من الولايات المتحدة وأوروبا، وفي المقام الأول لأسباب أيديولوجية، جعلت روسيا تستفيد منها بمهارة».
صحيفة «إيزفيستيا» الروسية نشرت أمس الأول، مقالاً كتبه المحلل السياسي ليونيد بولياكوف عن ملامح السياسة الخارجية لروسيا، والتي تضمنتها رسالة بوتين السنوية إلى الجمعية الاتحادية الروسية، حيث أكد بولياكوف أن «السياسة الشرقية النشطة» لروسيا هو ليس أمراً عارضاً ومؤقتاً، بل على العكس هو «دليل هو استراتيجية هدفها إقامة علاقات تعاون للمنفعة المتبادلة بعيدة المدى مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة - الصين والهند»، مشيراً إلى التقدم أيضاً في العلاقات مع اليابان، والتعاون الحيوي في عدد من بلدان الاتحاد الأوراسي».
صحيفة «أرغومينتي إي فاكتي» الروسية نشرت مقالاً لنائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي أندريه كليموف حول كيفية تغير العالم بعد أن يتقلد ترامب زمام السلطة، إذ أكد أن «شيئاً واحداً واضح تماماً، العالم سيكون مختلفاً بعد الرئيس الأمريكي الـ44 باراك أوباما».