سياسة استقطاب الوظائف

مؤشر الخميس ٠٨/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٠:١٨ ص
سياسة استقطاب الوظائف

تتلخص مشكلة أساسية في الولايات المتحدة اليوم -والتي انعكست في انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في وقت سابق من هذا الشهر- في شعور الكثير من الأمريكيين بالعجز وانعدام الأمان في مواجهة استقطاب الوظائف الناجم عن العولمة والتكنولوجيات الجديدة. وفي حين كان أداء الأشخاص الحاصلين على تعليم عال على قمة توزيع الدخل أفضل من أي وقت مضى، يواجه أولئك الحاصلين على التعليم الثانوي فقط انخفاض دخولهم ومستويات معيشتهم وتدني توقعاتهم لأنفسهم وأبنائهم. والآن يجري تمزيق الطبقة المتوسطة إربا.

كان فوز ترامب راجعا بشكل كبير إلى نجاحه في إقناع الناخبين بأن سياساته ستُسفِر عن نتائج أفضل في المجتمعات حيث يتجه التصنيع إلى الانحدار. والواقع أن إدارته، بدعم من الأغلبية الجمهورية في مجلسي الكونجرس الأمريكي، من المرجح أن تزيد الأمور سوءا بالنسبة للأمريكيين الذين يتحملون ضغوطا شديدة.

تكمن المشكلة الأساسية في التكنولوجيا الجديدة، وعلى وجه التحديد تكنولوجيا المعلومات، والطريقة التي عملت بها على تحويل طبيعة العمل. فكما أظهر ديفيد أوتور وديفيد دورن، اختفت العديد من وظائف الطبقة المتوسطة والمهارات المتوسطة والدخل المتوسط. والواقع أن الوظائف الجديدة التي نشأت مجزية الأجر للأشخاص من ذوي التعليم العالي ومتدنية الأجر للأشخاص الذين يحملون شهادة التعليم الثانوي فقط. ويتمثل العَرَض الرئيسي -ولكنه مجرد عَرَض- في اختفاء الوظائف المجزية الأجر في المصانع. فقد انخفض تشغيل العمالة في قطاع التصنيع بما يزيد على مليوني وظيفة في الفترة من 2004 إلى 2014، وهو الآن يمثل ما يزيد قليلا على 8% من إجمالي العمالة -استمرارا للانحدار الطويل الأمد منذ خمسينيات القرن الفائت.
وقد تفاقم هذا الاتجاه المدفوع بالتكنولوجيا بفِعل التأثيرات المترتبة على انخفاض تكاليف النقل والاتصالات، والذي يجعل نقل البضائع لمسافات طويلة أرخص كثيرا. وتعمل الشبكات المتنامية من الموردين المتطورين على تسهيل نقل أنشطة التصنيع إلى الخارج في مواقع حيث الأجور أدنى. وقد جعلت شركات عديدة في الولايات المتحدة هذه الحقيقة جزءا مهما من استراتيجيتها في إدارة أعمالها، مع ترافق التراجع الناجم عن هذا في قطاع التصنيع الأمريكي مع انحسار النشاط النقابي. وعندما يخسر الناس وظائف عالية الأجور نسبيا ووظائف نقابية مرتفعة الفوائد، فإنهم كثيرا ما يُعاد توظيفهم بأجر أقل ومن دون المستوى نفسه من الفوائد.
في هذه البيئة، حيث يشعر كثيرون بانعدام الأمن بشأن آفاقهم الاقتصادية، فإن الدَفعة التي أعطتها إدارة الرئيس باراك أوباما لاتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ كانت نهجا غير مميز للفوارق الدقيقة في أفضل تقدير. فقد زعمت الإدارة أن اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ كفيل بخلق بعض الوظائف الجيدة -و»تعويض» الناس الذين خسروا وظائفهم نتيجة لهذا. ولكن مثل هذا التعويض يثبت دوماً كونه متدنياً للغاية ويُنظَر إليه على نطاق واسع باعتباره بلا معنى. ولهذا السبب، نجح ترامب في حشد أغلبيات كبيرة في العديد من معاقل الطبقة العاملة التي دعمت أوباما من قبل.
من المؤسف أن الحياة توشك أن تزداد تعقيداً بالنسبة لهؤلاء الناخبين. ومع سيطرتهم على الرئاسة والكونجرس، فمن المرجح أن يلاحق الجمهوريون ثلاث سياسات اقتصادية رئيسية. وسيساعد خفض الضرائب الشخصية وضرائب الشركات الأمريكيين الأكثر ثراء في المقام الأول.

كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي سابقاً،

وأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.