إذا أردنا أن نكون واقعيين فإن أزمتنا مع المدعوة البيروقراطية سببها الموظف البسيط، العادي، وقد ترتقي إلى مدير دائرة، لكني أضعها في أقل الاحتمالات كلما كبرت الدرجات الوظيفية أكبر من ذلك..
ليس لأن "أولئك" خالون من الأمراض الوظيفية والعقد "التفخيمية" ولكن لأن علاقتنا "كمراجعين" تكون مع موظف الاستقبال أولا.. ثم إلى مكاتب خدمات المراجعين..
مشكلتنا مع موظف الاستقبال أنه لا يرفع سماعة الهاتف ليجيب على اتصالاتنا المتكررة.. وجربوا الاتصال ببدالة أي جهة حكومية واحسبوا كم عدد الاتصالات التي يمكنكم فيها أن تجدوا ردا!!
وابحثوا عن الموظف (المختص) بمعاملتكم إذا وجدتموه في مكانه، أو سيجد أوراقكم خلال لحظات، ولا يضطر للبحث عنها وقتا لعله يظفر بها.. هذا إذا لم تجدوه ساجدا على هاتفه حيث يتابع مجموعات الواتساب!!
الموظف الصغير له دور أساسي في (تعطيل) مصالح الناس، ممن يشبهونه في ظروف الحياة وصعوبتها، حينها لا يستخدم معهم كلمة (المواطنين) ليتقرب نفسيا منهم على الأقل، بل يختار مفردة (المراجعين) كونه على الجانب الآخر منهم، الموظف (المختص).
ذلك الموظف (والأمر ليس تعميما) يأخذ مداه في المعاملة لأن "النظام" عوّده على "برودة" التعامل مع الآخر / المراجع، بحيث أن غيابه عن العمل، في إجازة سنوية أو مرضية أو طارئة أو لظروف أسرية ما، يمكّنه من الاحتفاظ بالمعاملة في أدراج طاولته. ولا أنقل حكايات من المريخ، فكل منا عاش فصلا ما في هذه "الرواية".. وبديهي أن يستمر ذلك لأن بقية الدرجات الواقعة على السلم الوظيفي صعودا لا تتابع كما ينبغي.. لأنها لم ترسخ "النظام" العصري السليم، فإذا بحثت عن الموظف ولم تجده فإن مكتب المدير سيكون مغلقا "لعدم توفر المدير المطلوب" .. وثم انشغال بقية القيادات الأخرى..... (ولأسباب شتى!!).
.. وأتساءل: لماذا نجحت شرطة عمان السلطانية في ضبط خدماتها لتغدو بسيطة وميسرة أمام المواطنين والمقيمين بينما أخفقت الجهات المدنية في وضع نظام يعتمد الحسم والحزم دون (التلكؤ) واللعب على الوقت المتمدد أسبوعا بعد آخر، وصولا إلى سنة إثر أخرى، حتى يتم إنجاز المعاملة بينما نظريا هي لا تحتاج إلى تلك المسرحية المملة من المراجعة والانتظار والتسويف، من أجل توقيع، من المضحك أن يكون في لحظات أحيانا، بينما طال أمد (المعاملة) أسابيع وشهورا.
أظن أن تذويب هذه المعاناة، باعتبارها مادة شمعية عازلة، بتغيير نمطية تفكير الموظف أولا، ووضع النظام التقني القادر على تتبع حركة المعاملة "بدلا من البحث عنها بين أكوام الملفات" والاستغناء قدر الإمكان عن رؤية "الموظف" من خلال الحكومة الإلكترونية التي تتطلب أيضا "عقولا إلكترونية" ليست محسوبة على زمن "سير اليوم وتعال باكر" بل على إنجاز المطلوب في ثوان معدودة، في عالم يحسب وقته بتقنية النانو.