من يحكم الإليزيه

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٤٤ ص
من يحكم الإليزيه

هوغو دروشون

خلال الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري الفرنسي يوم الأحد الفائت، هزم فرانسوا فيون المرشح ألان جوبيه، وحاز على ما يقرب من 67 % من الأصوات.

قبل أسبوعين، كان هذا الفوز غير مضمون. وكان من المتوقع منذ فترة طويلة أن جوبيه، رئيس بلدية بوردو ورئيس الوزراء الأسبق في عهد الرئيس جاك شيراك، هو من سيهزم المرشح الآخر، الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، في الجولة الثانية للانتخابات. بدلا من ذلك، سطع فيون، رئيس الوزراء الأسبق في عهد ساركوزي، من الجولة الأولى بتفوق كبير، وحاز على 44 % من الأصوات. وكانت النتيجة مخزية بالنسبة لساركوزي، فقد تلقى مجرد 20 % من الدعم، وبذلك انتهت حياته السياسية بشكل فعلي.

واستحضر العديد من المراقبين شبح استفتاء البريكست في شهر يونيو وانتصار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في أوائل هذا الشهر. وقد ثبت أن استطلاعات الرأي التي استبعدت نجاح فيون كانت غير صائبة، ويرجع ذلك جزئيا لاتخاذ الناخبين القرار قبل أيام قليلة من التصويت. كما لعبت وسائل الإعلام الاجتماعية دورا رئيسيا. في آخر المناقشات قبل التصويت، قدم فيون نفسه كبديل موثوق لجوبيه وساركوزي.
ومع نزول معدلات دعم الرئيس الحالي فرانسوا هولاند إلى أقل من 5 % - الأدنى على الإطلاق بالنسبة لرئيس فرنسي - فالسؤال الحاسم الآن هو ما إذا كان فيون قادرا على هزم زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مايو 2017. لقد اعتُبر جوبيه مرشحا «ضعيفا» بشكل واضح، ولو أنه كان أوفر حظا كبديل للوبان بالنسبة للناخبين اليساريين. لكن فيون، مع ذلك، هو أبعد بكثير إلى اليمين من جوبيه، بمعنى أن الناخبين اليساريين قد لا يرون فرقا كبيرا بينه وبين لوبان، ويمكنهم المطالبة بدخول مرشح ثالث من يسار الوسط في هذه المعركة الانتخابية.
المنافس الوسطي الوحيد هو ايمانويل ماكرون، الذي يدّعي أنه سيرشح نفسه لكنه يرفض المشاركة في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي في يناير. ورغم غياب حزب كبير يسانده خارج حركة إلى الأمام «أون مارتش»!، ليس من المرجح أن يستطيع ماكرون حشد الدعم اللازم للفوز بالرئاسة (لديه حاليا دعم 14 % فقط). وبصفته وزير اقتصاد تحول إلى مصرفي- إصلاحي تحت قيادة هولاند، سيكون ماكرون الخصم المثالي للمرشحة لوبان المناهِضة للاتحاد الأوروبي وللنخبوية.
بغض النظر عن ماكرون، يحاول اليسار جاهدا تقديم مرشح موثوق به. هناك احتمالات ضئيلة لإعادة انتخاب هولاند، ومن المتوقع أن يعلن رئيس وزرائه المخلص، مانويل فالس، عن ترشيحه هذا الأسبوع، لكن شعبيته أفضل بقليل فقط من هولاند، بنسبة 9 %. وهذا لن يترك لليساري المتطرف جان لوك ميلينشون سوى (13 %) وارنو مونتبرج، الذي خلفه ماكرون كوزير الاقتصاد.
وإذا لم يصل أي مرشح يساري للجولة الثانية، يمكن أن يعطي الناخبون اليساريون أصواتهم «للوحدة الجمهورية»، كما فعلوا في عام 2002، عندما ساهموا في فوز شيراك على والد لوبان، جان ماري لوبان. وكان الناخبون اليساريون يفضلون جوبيه، ومن المرجح أن يتقبلوا فيون، لكنهم لا يمثلون سوى 15 % من مجموع الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، لذلك قد لا يكون لهم نفس التأثير في عام 2017 كما في عام 2002.

لكن تشتمل قاعدة فيون السياسية على شريحة كاثوليكية من المتقاعدين، الذين شاركوا في كلا الجولتين الانتخابيتين التمهيديتين. ويبدو أن أنصار فيون متحدون في معارضتهم لزواج المثليين، وفيون، باعتباره كاثوليكي معروف، مرشح محافظ بامتياز. وفي حين لا يريد فيون إبطال حق الزواج القانوني للمثليين، لكنه يعارض منحهم الحق في تبني الأطفال.

جغرافيا، فاز فيون في كل مكان تقريبا خارج منطقة بوردو التابعة لجوبيه، بما في ذلك بروفنس ألب كوت دازور (PACA) منطقة البحر الأبيض المتوسط الجنوبي، التي كانت في الأصل أقوى قاعدة داعمة لساركوزي. لكن PACA هي أيضا معقل الجبهة الوطنية، ولهذا يجب على فيون تمييز نفسه عن لوبان كمرشح يميني، لئلا يقوم الناخبون بتفضيل الأصلي على النسخة.
وهناك عدد من المجالات التي يختلف فيها فيون ولوبان. بداية، فلوريان فيليبوت، واحد من نواب لوبان، هو مثلي الجنس بشكل علني، وكانت لوبان حريصة على عدم اتخاذ أي موقف قوي في القضايا الاجتماعية. فيون أيضا ليبرالي اقتصادي - وغالبا ما يوصَف بأنه مارجريت تاتشر فرنسا - في حين أن لوبان حمائية. وبينما يريد فيون الحد من الخدمة المدنية الفرنسية بإلغاء 500.000 وظيفة عمومية، تفضل لوبان إرساء دولة قوية.
وأخيرا، تُعارض لوبان عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي وتريد العودة إلى الفرنك، في حين يفضل فيون تفويض السلطة إلى الجمعيات الوطنية. مع اقتراب الحملة الانتخابية، قد يدافع فيون عن نظام أساسي مؤيد لأوروبا، كما اتضح في محوره خلال مناقشات الجولة الثانية، عندما اقترح أنه يفضل تشكيل حكومة مؤيدة لمنطقة اليورو.
على عكس حملة «البريكست» في المملكة المتحدة وحملة «ترامب»، تتوفر الجبهة الوطنية بالفعل على دائرة أساسية تقليدية والبالغة نحو ربع الناخبين. كما أن ائتلاف مؤيدي اليمين المتطرف الفرنسي والطبقة العاملة الساخطة لن يتحدى التوقعات، كما حدث في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
فيون من جهته، بإمكانه أن يحظى بنفس الدعم، وقد يكون قادرا على أخذ الأصوات من لوبان، نظرا لوصف حوالي 8 % من الناخبين في الانتخابات التمهيدية أنفسهم بأنهم أنصار الجبهة الوطنية. والأكثر من ذلك، لا تزال الكاثوليكية السياسية منتشرة في أوساط الناخبين الفرنسيين، وتريد الكنيسة نفسها جذب الكاثوليك بعيدا عن الجبهة الوطنية والعودة إلى صفوفها الأكثر تحفظا. وفي هذه الأثناء، أيّد عدد من المنظمات اليمينية المتطرفة ترشيح فيون خلال الانتخابات التمهيدية؛ نظرا لدعمه القوي للقوانين التي من شأنها حظر البوركيني، وهو لباس سباحة ترتديه النساء المسلمات والذي يغطي جسمهن بالكامل.
ونظرا للسياق السياسي الحالي، فمن المرجح أن يتواجه فيون ولوبان في الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية في مايو المقبل. بعد فوز فيون بالاقتراع، بلغ دعمه 26 %، لكن تحظى لوبان بتأييد 24 % من المستطلعين. ومع ذلك، من المتوقع أن يفوز فيون في الجولة الثانية بنسبة 67 % من الأصوات.
لقد رأينا هذا المشهد من قبل، وستعتمد الجولة الثانية على «وحدة الجمهوريين»، والتي قد لا تصمد طويلا. وقد يبقى الناخبون اليساريون، الذين تم استبعادهم بسبب الاقتصادات الليبرالية والمحافظة لفيون، في منازلهم. ونظرا لفشل تنبؤات استطلاعات الرأي في أماكن أخرى هذا العام، لا ينبغي لأحد الاعتماد عليها إلى أن تُفرز الأصوات فعلا.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة كامبريدج، وهو مؤلف كتاب «سياسة نيتشه العظيمة».