الدنيا.. دوّارة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الدنيا.. دوّارة

محمد بن سيف الرحبي

تتكرّر في حياتنا بعض الجمل القادرة على توصيف حالتنا في لحظة ما، فنعتبرها حبل إنقاذ «نفسي» نتعلق به، فنقول أحيانا «الدنيا دوّارة» للتخفيف على أنفسنا من حالة غضب على أحدهم وهو يعلو بغرور سببه منصب أو ثراء، أو إذا انقلب به الحال فتأتي شفقة وترحماً على ما كان عليه، ولم يفطن إلى تقلبات الدهر فــ«من سرّه زمن ساءته أزمان».

ذات مرّة كتبت عن صديقي الذي بدا عليه كمن اكتشف أن البشر الذين عرفهم يوم كان بيده «خدمات» في جهة حكومية ليسوا هم بعد أن ترك الوظيفة، وأن هاتفه لم يعد يستقبل حتى رسائل الجمعة منهم.. فأين تلك العواطف الجميلة والمشاعر الصادقة (أو هكذا بدت له كمسؤول يصدّق ما يقال له)؟!

وجدت على بريدي الإلكتروني رسالة من قارئ يقول إن «صديقك الذي ذكرته هو أنا»!

وكنت ألامس جراحاً كثيرة عبر ذلك المقال، فكل مسؤول معنيّ بذلك المقال، حيث جريان الدهر سيأتي عليه «بكلكله» كما يقول الشاعر العربي القديم، فكل منهم جاهز ليقول أو يكتب كما كتب الأخ إدريس في رسالته «تعرضت لنفس الحدث والحالة بالتمام»، شارحا الوضع كما يمكن أن يقع في شباكه أكثر من يتولى في يوم أمانة مسؤولية، وللناس في مكتبه حوائج «كنت في منصب كبير ومسؤول، الكل كان يلتفّ حولي، كنت أنفق من جيبي الخاص في بعض الأحيان لخدمة أحبابي وأصدقائي ومعارفي وكذلك الغريب من أجل رضا الله تعالى.. لم أكن أسيء الظن.. بل إن الظن أكذب الحديث».

هذا هو الوضع الطبيعي في الحكاية دائماً، والجملة التالية هي الجزء الثاني من المسلسل: «لكن بعدها وعندما مررت بفترة صعبة وراح عني منصب «صاحب السعادة»، رأيت أن الكل تراجع ولم يعرفني لا القريب ولا البعيد.. وكأن الناس تغيروا.. سبب تركي لمنصبي أيضاً كان نتيجة طيبتي الزائدة مع الناس».

أما الجزء الثالث من رسالة الأخ إدريس فتبدو خارج السياق، لأنه لم يستسلم، بل غيّر من النهاية المعتادة لمسلسل كهذا، هو درس التجربة والحكمة، يقول: «لكن الحمد لله وعيت.. أنا في منتصف شبابي، وأصبحت أفضل من ذي قبل.. ومنصبي أعلى من السابق.. سأظل أخدم الناس حتى اليوم.. لكن سأكون حذراً.. وكما قالت العرب قديماً: «سوء الظن من حسن الفطن»، مع أنه يشدد على أنه سيسيء «الظن بالجميع» لكنه سيحاول قدر الإمكان توخي «قمة الحذر» كما يعبّر، إنما الأجمل في رسالته «سأسير في درب خدمتي للناس» مردداً «والله الدنيا دوارة.. وغريبة».

لا جديد في وصف الدنيا بهكذا أوصاف، إنما في اكتشافنا المتأخر، أو إحساسنا بها عقب تجارب مرّة، تعطينا دروسا مجّانية، لكن معضلتنا أن هناك من لا يستفيد من (مجانية) الدروس، لعدم توفر الوقت لديه، أو لعدم اكتراث حيث تعجبه «الحالة» التي ترفعه الدنيا إليها، ناسيا فكرة العجلة الدائرية حيث العلو مؤقت، وأن أي عطب يصيب العجلة قد يربك الحياة بأكملها..

أستعيد أيضاً مقال «معاليه مكتئباً».. لوضع الأوراق على الطاولة، لعل هناك من تصله الإشارات.