موضة الإضرابات

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
موضة الإضرابات

على بن راشد المطاعني

عندما تنظم إضرابات عامة سلمية في الشركات تقوم الساعة ولا تعقد، وتهول الأمور إلى مستويات غير عادية، وكأن القيامة قامت، في حين أن مثل هذه الإشكاليات من الآن وصاعداً ستقع هنا وهناك، يعبر فيها البعض عن استيائهم أو مخالفتهم لنظام عمل هنا أو هناك، أو اعتراض على منهجية عمل، أو تأخر رواتب أو غيرها من الأسباب التي تدفع إلى هذا النوع من التظاهر، فهذه أصبحت من المسلمات التي تشهدها دول العالم، ونحن لسنا المدينة الفاضلة حتى نظن أننا بمنأى عنها، وبرغم واقعية تلك الأحداث إلا أن على الطرف الآخر أن يبقي مثل هذه الأمور في إطارها الصحيح، وأن يلتزم الجميع بالقانون وبالنظام العام للدولة، كما يجب ألا نعممها وكأنها أكبر مشكلة حدثت، فهذه الجوانب أضحت طبيعية لذا يجب أن نتكيف معها، وأن نعالجها بمرونة، وبصورة فعالة، ولا نعطيها أكبر من حجمها الطبيعي.

حتى لو كان التظاهر والإضراب من الأساليب السلمية للتعبير عن رفض بعض الممارسات من الشركات أو أي جهات أخرى إلا أنهما ينبغي أن يبــــــقيا آخر الحلول، وليس لأجل أي رفض أو اعــــــتراض يكون هـــــــناك تظاهر أو إضرابات.

ينبغي أن يعي العاملون وغيرهم أن هناك آليات وطرقاً، ومحاولات وخطوات يجب أن تسبق الإضرابات من شأنها أن تجد حلولاً لأية معضلة، حتى لا تتحول الإضرابات من تعبير عن الرفض، إلى وسيلة ضغط يمارسها البعض ابتزازاً حتى تنفذ رغباتهم كيفما أرادوا، أو تكون وسيلة في يد البعض تستخدم بشكل سيئ للغاية في التشويه لمؤسسة أو شركة أو جهة وعكس صورة عامة غير إيجابية.
لذا فالقانون وحده هو المحرك بين حق الإضراب، واستخدامه في لي ذراع المؤسسة، وكما يعطي القانون للموظف الحق في التعبير عن رفضه، يجب أن يحمي صاحب العمل من الابتزاز، فمثلاً إذا ثبت عدم الأحقية في تنظيم الإضراب وكانت أسبابه واهية، أو لم تُستنفد قبلها الطرق الأخرى فيجب أن يعاقب مرتكبوها وفق القانون‏، فالمسؤولية تقتضي أن يتحمل الجميع مســــــــؤوليته في هذا الشأن.
كما يجب أن يكون للإضراب موافقات من جهات مختصة بشؤون العمال كوزارة القوى العاملة أو أية جهة، بحيث لا يترك الحبل على الغارب -كما يقال، ويصبح سلاحاً بيد عدد من الموظفين، لا يحسنون استخدامه إذا لم يعجبهم شيء في شركة، أو أن أفراداً تضرروا من شيء فنظموا إضراباً وفق مرئياتهم وبالطرق التي يرونها مناسبة، بدون أن يُرخص لهم لذلك، فهنا مخالفات جسيمة ترتكب ‏بحق المجتمع والشركات والأفراد، فربما بعض المشاكل تحل من الجهات المختصة بدون اللجوء إلى الإضراب.
من الأمور التي يجب أن تضبط كذلك، النشر في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات التي تستخدم كنوع من التشهير بحق الجهات والشركات، وتنتهك فيها حقوق الآخرين بتشويه صورتهم أمام المجتمع، فربما تحل الإشكاليات قبل الإضراب أو أثناءه بدون أي تشويه يلحق الضرر بالجهات، فالكثير مما شاهدناه في الآونة الأخيرة من ممارسات ليس لها مسوغات عملية وقانونية ببث صورة مزعجة -للأسف- بدون أن يعي البعـــض تبعات ذلك قانونياً.
إن الاختلافات بين الجهات والأفراد حول أية قضية أو توجه وارد، وكذلك بين الشركات والعاملين بها ممكن في أي وقت، وهناك نقابات للعاملين في الشركات، تفاوض الإدارات وهناك اتحاد عمال السلطنة، وجهات أخرى يمكن أن يلجأ إليها الجميع لإيجاد حلول لأية مشكلة كانت، بدون اللجوء إلى إضراب وتضخيم الأمور بأكبر من حجمها.
طبعاً، الجهات المعنية لديها خبرة كافية خاصة بعد العام 2011م في التعاطي مع الإضرابات وهناك حلول للتعاطي معها، وهناك استعداد لدى الأجهزة الأمنية من خلال وحدات ومراكز المهام الخاصة التي اكتملت منظومة العمل بها في كل المحافظات، فهي الآن جاهزة لأي من الإشكاليات التي قد يثيرها البعض بدون استخدام القنوات الرسمية في اســـــــتيفاء حـــــــــقوقهم واتباع الوسائل المشروعة.
البعض يستغل الظروف الاقتصادية لكي يصطاد في المياه العكرة، ويثير المشاكل من خلال المطالبات بجوانب استثنائية كانت لديه عندما كانت الظروف أفضل مما هي عليه، ويحورها كأنها مشكلة كبيرة، بدون دراية بين الحقوق الأساسية كالرواتب، وبين العلاوات الاستثنائية التي تخضع للظروف.
فاليوم، عندما تشرع القنوات البرلمانية بكل مجالسها وتتاح الفرص للكل أن يدلي برأيه ويمارس حقوقه في التعبير، فإنها في المقابل تأتي لسد الباب أمام الممارسات الخاطئة التي ترغب في العبث بالممتلكات والتخريب وغيره، ‏لذا فمن الطبيعي أن يعاقب مثيرو الشغب بالقانون، وأن ينالوا العقوبة التي يستحقونها جريرة العبث بالأوطان.
نحن نساند المطالبة بأي حق إذا سلك صاحبه الطريق الصحيح في المطالبة به دون إثارة أية إشكاليات قد تمس الأمن الاجتماعي أو تتجاوز الحدود أو تتلفظ ‏بأية بألفاظ غير لائقة، وتعمل على التشويه من خلال البث والنشر في مواقع التواصل الاجتماعي.
نأمل أن نكون أكثر وعياً عند ‏ممارسة حقوقنا، وأن نحرص دوماً على أن نقدم مصلحة الوطن قبل كل شيء، فما حولنا يدفعنا لأن نتحسب لأية خطوة نخطوها، لنتأكد أنها ليست على حساب أحد أو قد تضر بالآخرين، فالقانون إذا طبق لا يعرف أحداً ولا يستثني أحداً كذلك، لذلك يجب أن نكون حريصين في إيجاد الحلول لأية مشكلة والبحث عن خيارات أخرى أكثر فائدة.