ماذا يجري لأراضي النقب؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٦/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
ماذا يجري لأراضي النقب؟

غازي السعدي

تفاجأت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، بجرافاتها وبلدوزراتها، لدى وصولهم إلى قرية "أم الحيران" البدوية في النقب بتاريخ 22-11-2016، وهو الموعد الذي حدده الاحتلال لتدمير هذه القرية، تفاجأوا بوجود جماهير غفيرة من الجليل والنقب ووادي عارة، وعدد من نواب الكنيست العرب، إضافة إلى بدو النقب، متجمهرين ومحتجين على قرار الاحتلال، حتى أن بعض المحتجين باتوا في الموقع الليلة التي سبق موعد الهدم، هذا الاحتجاج المهيب أدى إلى عودة الشرطة وجرافاتها على أعقابهم، حيث قرروا تأجيل عملية الهدم- إن لم يتم إلغاؤها- إلى موعد آخر.
قرية "أم الحيران" التي تسكنها قبيلة "العيقان"، وعددهم نحو ألف نسمة، سبق أن قام الجيش الإسرائيلي عام 1956 بنقل هذه العشيرة، من قريتهم الأصلية بالقرب من كيبوتس "شوفال"، إلى الموقع الحالي، واليوم في محاولة أخرى، يريدون نقلهم إلى موقع آخر، لإحلال مستوطنة يهودية تابعة للأحزاب الدينية اليهودية مكانها، وتسمية المستوطنة الجديدة "حيران"، أي سرقة القرية واسمها الأصلي، فالمفارقات في السياسة الإسرائيلية لا حدود لها، بازدواجية المعايير، فبؤرة المستوطنين التي أقيمت بالقرب من مدينة رام الله عام 1995، يسكنها (30) عائلة في عدد محدود من البيوت، وتماطل سلطات الاحتلال بتنفيذ قرار المحكمة العليا بتدمير هذه البؤرة المقامة على ملكية فلسطينية خاصة، على عكس التعامل مع قرارات الهدم التي تطال المواطنين العرب، حتى أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي اهتزت من قرار العليا بهدم هذه البؤرة، لجأت إلى المماطلة وإلى عدة بدائل، واخترعت مسمى جديدا يحمل اسم "قانون التسوية"، لمنع هدم البؤرة، بينما لم تهتز شعرة واحدة في رأس حكومة "القانون" التي لا تعترف أصلا بالقوانين، للتوقف عن هدم قرية "أم الحيران"، فنهب الأراضي العربية، وهدم المنازل تعتبر مصلحة إسرائيلية عليا، لتفريغ البلاد من أهلها، فمنذ إقامة إسرائيل عام 1948، وسياسات الحكومات الإسرائيلية تقوم بتشريع قوانين غير قانونية، للاستيلاء على أراضي العرب في الجليل، وفي المثلث، وأيضاً في النقب وصل إلى درجة الجنون، والذي يتعارض مع الحياة المشتركة، ويخلق العنصرية والعداء، ويؤدي إلى الكراهية، والتحريض ضد المدافعين عن أرضهم وحقوقهم ضد التمييز العنصري الإسرائيلي، بأنهم المحرضون، فمن باستطاعته وضع حد لهذه المأساة؟
لقد كشفت أوراق مؤتمر هرتسيليا متعدد الاتجاهات، والذي عقد بتاريخ "12-1-2006" النقاب عن خطة حكومية لترحيل عرب النقب، من أراضيهم، سواء كان ذلك بالمفاوضات والإغراءات، أو عن طريق القوة، والموضوع يدور حول (700) ألف دونم من أراضي النقب، بعد أن كانت إسرائيل في أعقاب حرب 1948 سبق أو وضعت يدها على "800" ألف دونم من أراضي عرب النقب، وادعت المحاكم الإسرائيلية بأن هذه الأراضي ملكية دولة، أي دولة إسرائيل، وأنها هي صاحبة الأرض، مدعية أن أصحاب الأرض من البدو، لا يملكون الكواشين والأوراق الثبوتية لأراضيهم، وهنا يظهر بأن محاكمهم مسيسة، لا تستند على قوانين حقيقية، ليأتي السؤال: إذا كانت هذه الأراضي ملكية دولة، فكيف تتفاوض الحكومة الإسرائيلية لإيجاد تسوية، وإعادة 20% من مساحة الأرض لأصحابها؟ ودفع ثمن 80% من هذه الأراضي لأصحابها ؟ ثم إذا كانوا لا يملكونها؟ فكيف اشترى الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي، مجموعة من هذه الأراضي من أصحابها البدو؟ قبل وبعد عام 1948، طالما أنهم لا يملكونها؟ فبدو النقب هم المالكون القانونيون والوحيدون لهذه الأراضي، منذ الفترة العثمانية، ثم الانتداب البريطاني، وفي مرحلة الحكم العسكري الإسرائيلي بعد عام 1948، الذي اعترف بملكية البدو على أراضيهم حتى عام 1967، وبعد ذلك بدأت الأمور تنقلب رأساً على عقب، وبدأت المؤامرة على أراضي البدو الذين يبلغ تعدادهم (220) ألف نسمة.
أراضي النقب ذات مساحات شاسعة، ويقام عليها مفاعل ديمونا النووي، وهناك مخططات إسرائيلية تقضي بنقل معسكرات الجيش من وسط البلاد إلى النقب في الجنوب، وبناء المطارات العسكرية، وإقامة قاعدة تجسس استخبارية، ومجمعات عسكرية، ومدينة كاملة للجنود الإسرائيليين، وحسب المخططات المعلنة فإن (15) مستوطنة جديدة ستقام في النقب، و(85) مزرعة، لاستقطاب (300) ألف مهاجر جديد عليها حتى عام "2020"، وفقاً لمشروع يحمل اسم (برافر)، ففي عام 1948، دمرت إسرائيل (88) قرية عربية في النقب، ورحّلت بعضهم إلى الخارج، لتقييد المواطنين البدو في أقل مساحة من الأرض، وابتلاع الباقي، وهذا هو لب الصراع، وهدف المخطط، فقد تقدم البدو إلى الجهات المختصة، لإثبات ملكيتهم في "3220" مطالبة، لم تستجب سلطات الاحتلال ومحاكمها لتثبيت الملكية ولا على طلب واحد.
جمعية "عدالة" لحقوق الإنسان تقدمت باسم أهالي "أم الحيران"، لاستصدار قرار احترازي من المحكمة العليا، لمنع تنفيذ قرار الهدم، لكن قرار المنع لم يبت فيه، وللتذكير فإن قرية "العراقيب" البدوية جرى هدمها (105) مرات، لكن مع الإصرار فإنها تبنى من جديد، ومثال آخر، فأن الجيش الإسرائيلي أمر عام 1948، بإخلاء قريتي "أقرث وبرعم" في شمال البلاد، لفترة زمنية محدودة، لكن بعد المماطلة في إعادتهم، حصل السكان على قرار من المحكمة العليا، تقضي بعودتهم، لكن وحتى اليوم لم ينفذ القرار، لقد أظهر بدو النقب نضالاً مستميتاً لمنع تمرير المخططات للاستيلاء على أراضيهم، بالتضامن ووقوف عرب الداخل إلى جانبهم، وحسب الإحصاءات الرسمية، فقد استولت إسرائيل منذ عام 1948 على 97.5% من أراضي عرب الداخل، بينما تبقى لهم 2.5% فقط، لما يزيد عن 20% من عدد المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، وهذه الأمور وغيرها هي التي أدت إلى هبة فلسطينيي الداخل، وأفرز عنه عام 1976 يوم الأرض، الذي أصبح يوماً سنوياً للدفاع عن الأرض، ولا تفوتني أن من أهداف الاستيلاء على أراضي بدو النقب، تجويعهم وتعريضهم للبطالة، لحثهم على التجنيد في الجيش الإسرائيلي للارتزاق، ووضعهم للخدمة العسكرية في الأماكن الخطرة، وبدلاً من أن تقدر لهم سلطات الاحتلال خدمتهم العسكرية، فإنها تقابلهم بنهب أراضيهم وإفقارهم.
ومختصر الكلام، فإن أحد المواقع الإلكترونية، نشر الرؤيا الإسرائيلية للوبي الاستيطاني وان الأردن سيطر على الضفة الغربية بشكل غير قانوني وعدم الإعتراف بوجود شعب فلسطيني وانه لايوجد ذكر للقدس للقدس ولو مرة واحدة في القران الكريم.وان الانتداب البريطاني لم يعط للعرب سيادة على أي أرض (وماذا بالنسبة لقرار التقسيم الدولي) والقرارات الدولية الأخرى.
وان تصريح بلفور أعطى ضفتي الأردن إلى الكيان الصهيوني وان الفلسطينيون بدأوا يطالبون بدولة فقط بعد حرب 1967 بتشجيع من اليسار الإسرائيلي.
وان العرب في المناطق عاشوا دوماً تحت حكم أجنبي.
وان إسرائيل ليست محتلة للضفة الغربية، بل أنها حررتها وهي جزء من أرض إسرائيل التوراتية.
وأخيراً فإن هذه رؤيا سخيفة، بمغالطات تتجاوز كل حدود، ولا حاجة للتعليق عليها، لأن الحقوق لا تؤخذ إلا بالقوة وبالتحرير.

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية