همّة الشباب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٦/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
همّة الشباب

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

قبل أكثر من عقد من السنوات حضرت حفلاً في قرية صغيرة تسمى الدن، بولاية سمائل، وكانت تتشكل فرقة مسرحية حملت اسم المكان، تبحث عن نفسها بعد سنوات من إطلاق الاسم بصيغته الحماسية: فرقة مسرح الدن للثقافة والفن.

كانت الفكرة تبدو بمقاسات المكان والزمان في حيزها الصغير، المشاركة في حفلات داخل القرية أو على مستوى الولاية إذا سمحت الظروف، لكن هناك ما هو خارج الرهان عليه، همة الشباب القادرة على التحليق فوق مستوى الزمكانية، وبعد سنوات من العمل والمثابرة والصبر بدأت الفرقة في حصد جوائز مهرجانات المسرح العماني، وتقديم العروض في الفعاليات الخليجية، والذهاب أبعد من ذلك، الوصول إلى أنحاء الوطن العربي وأوروبا.

تأتي هذه الهمم في وقت تتراجع فيه فرق العاصمة مسقط المسرحية، فرقة مجان التي اندمجت مع أخرى فصار اسمها فرقة (فنانو مجان)، بأسماء كبيرة جداً شكلت في يوم ما ظاهرة الريادة في المسرح العماني، لكن همم أبناء تلك القرية في سمائل كبيرة بما يجعلها تلغي مفردتي الصعب والمستحيل من قاموسها، وتستبدلهما بمقولات من نوع «من جدّ وجد» و»من سار على الدرب وصل».

في حفل افتتاح مهرجان مسرح الدن، ومخصص لثلاثة أشكال من المسرح، الكبار والطفل والشارع، كنت أتصفح كتيب الفعالية، لأجد عشرات المؤسسات التي تشارك الفرقة مشوارها، داعمين بأشكال مختلفة، للحدث، بما يؤكد إيمان نحو 35 مؤسسة بهمّة هؤلاء الشباب وقدرتهم على فعل «حقيقي» يحقق إضافة للقضية المتحمسين لها، الفن المسرحي، باعتباره أبا الفنون جميعاً.
هكذا العطاء يكتبه الشباب في، تكامل، ولا أقول سدّ نقص، مع المؤسسات الرسمية المتعاطية مع الشأن المسرحي، هذه التي عجزت عن توفير قاعة عرض مسرحي في العاصمة مسقط، ونحن في العام السابع والأربعين من عمر النهضة الحديثة!كانت هناك خطوة رائعة لصالح المسرح قدمت في جامعة السلطان قابوس حضرها آلاف الأشخاص على مدار أمسيتين، وقبلها مهرجان الرستاق للمسرح الكوميدي بما استقطبه من نجوم معروفة في السلطنة وخارجها، ولم نسمع ربع تلك الانتقادات المصوبة تجاه مهرجان المسرح العماني، حيث تتكاثر الألسنة عليه منتقدة، ربما لأنه بإشراف حكومي، وتذهب أغلب ميزانيته بعيداً عن حسابات الجوائز، فيما يصعب وجود مؤسسات راعية تخفف العبء على الجهة المنظمة.
هذا هو الرهان المستقبلي، أن تنهض مؤسسات المجتمع المدني لتقوم بواجبها في أدوار لا يفترض أن ننتظرها من الحكومة، حيث معها تغيب كلمة العمل التطوعي كما تحضر في تنظيم الفعاليات خارج إطارها، فعضوية اللجنة في فعالية حكومية تستدعي مكافأة حتى وإن كان الشخص المطالب بها لم يفعل شيئاً سوى نسخ ورقة ضمن عمله اليومي، بينما هناك من يصل الليل بالنهار في الفعاليات الخارجة عن الصفة الرسمية، ويراه ضمن الواجب، ربما لأن التربية الحكومية علّمتنا «النّفعيّة» وكل فعل معها لا يأتي بريال منها.. فهو باطل!