عملية الإنقاذ السرية في أوروبا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٦/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
عملية الإنقاذ السرية في أوروبا

هانز فيرنر سِن

في حين يستسلم العالم للقلق بشأن دونالد ترامب، والخروج البريطاني، وتدفق اللاجئين من سوريا وغيرها من الدول التي مزقتها الحروب، يواصل البنك المركزي الأوروبي العمل بلا انقطاع وتحت الرادار الشعبي على خطة إعادة هيكلة الديون -المعروفة أيضاً ببرنامج التيسير الكمي- لتخفيف العبء المفروض على دول منطقة اليورو المثقلة بالديون.
بموجب برنامج التيسير الكمي للبنك المركزي الأوروبي الذي بدأ في مارس 2015 (ومن المرجح أن يمتد إلى ما بعد نهايته المقررة في مارس 2017)، تشتري البنوك المركزية الأعضاء في منطقة اليورو أوراقاً مالية في الأسواق الخاصة بقيمة 1.74 تريليون يورو (1.84 تريليون دولار أمريكي)، مع تخصيص أكثر من 1.4 تريليون يورو لشراء الديون الحكومية للدول الأعضاء.
ويبدو برنامج التيسير الكمي متكافئاً، لأن كل بنك مركزي يعيد شراء ديون حكومته بما يتناسب مع حجم البلد. ولكنه لا يخلف تأثيراً متماثلاً، لأن الدين الحكومي من دول جنوب أوروبا، حيث تراكمت الديون وعجز الحساب الجاري من الماضي، يُعاد شراؤه في الخارج غالباً.
على سبيل المثال، يعيد بنك إسبانيا شراء السندات الحكومية الإسبانية من مختلف أنحاء العالم، وبالتالي تخفيض ديون الدولة في مقابل الدائنين من القطاع الخاص. ولتحقيق هذه الغاية، يطلب البنك من البنوك المركزية في دول منطقة اليورو الأخرى، وخاصة البنك المركزي الألماني وفي بعض الحالات البنك المركزي الهولندي، التصديق على أوامر الدفع لبائعي السندات الألمانية والهولندية. وفي كثير من الأحيان، قد يطلب من البنك المركزي الأوروبي التصديق على أوامر الدفع إذا كان بائعو سندات الحكومة الإسبانية من خارج منطقة اليورو.
في الحالة الأخيرة، كثيراً ما يؤدي هذا إلى معاملات ثلاثية، حيث يحول البائعون المال إلى ألمانيا أو هولندا للاستثمار في الأوراق المالية ذات الفائدة الثابتة، أو الشركات، أو أسهم الشركات. وبالتالي، يُصبِح لزاماً على البنك المركزي الألماني والبنك المركزي الهولندي التصديق ليس فقط على أوامر الدفع المباشرة من إسبانيا بل أيضا الأوامر غير المباشرة الناتجة عن عمليات إعادة الشراء التي ينفذها البنك المركزي الإسباني في دول ثالثة.
تُسَجَّل التصديقات على أومر الدفع التي يمنحها البنك المركزي الألماني والبنك المركزي الهولندي بوصفها مطالبات بموجب نظام "تارجت" ضد نظام اليورو. وفي نهاية سبتمبر، بلغ إجمالي هذه المطالبات 819.4 بليون يورو، كان نصيب البنك المركزي الألماني فيها 715.7 بليون يورو، أو نحو 46% من صافي أصول ألمانيا الخارجية في منتصف العام. ومنذ بداية هذا العام، ازداد مجموع مطالبات البلدين بنحو 180.4 بليون يورو، أو نحو 20 بليون يورو شهرياً في المتوسط. وعلى العكس من ذلك، بلغت ديون دول جنوب أوروبا -اليونان، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا- نحو 816.5 بليون يورو بموجب "تارجت".
في نظر اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، تشكل هذه المعاملات صفقة رائعة. إذ إنها تمكنها من إبدال الديون الحكومية ذات الفوائد وآجال الاستحقاق الثابتة والتي يحملها مستثمرون من القطاع الخاص بديون بنوكها المركزية -وهي المؤسسات التي تعتبرها معاهدة ماستريخت شركات ذات مسؤولية محدودة لأن الدول الأعضاء ليست ملزمة بإعادة رسملتها عندما تصبح مثقلة بالديون- المسجلة على دفاتر تارجت والتي هي (حالياً) بلا فائدة ولا تسدد أبداً.
وإذا حدث الانهيار وتركت هذه البلدان اليورو، فمن المرجح أن تفلس بنوكها المركزية الوطنية لأن قدراً كبيراً من ديونها مقوم باليورو، في حين سيجري تحويل مطالباتها ضد الدول والبنوك المعنية إلى العملة الجديدة المخفضة القيمة. وبهذا تتلاشى في الهواء كل مطالبات تارجت ضد ما يتبقى من نظام اليورو، ولن يملك البنكان المركزيان الألماني والأسباني سوى الأمل في مشاركة البنوك المركزية الناجية في الخسائر. وبحلول ذلك الوقت، سيلاحظ بائعو الأصول الألمانية والهولندية الذين يحملون الآن أموال البنك المركزي أن أرصدتهم تحولت إلى مطالبات ضد بنوك بلدانهم المركزية التي لم تعد مغطاة.

أستاذ الاقتصاد في جامعة ميونيخ، وعضو المجلس الاستشاري لوزارة الاقتصاد الألمانية.