مسقط -
تواجه الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في إطار سعيها للنمو تحديات عدة، وفقا لدراسة حديثة أجرتها شركة الاستشارات الإدارية «استراتيجي &» المعروفة سابقاً باسم «بوز آند كومباني».
وللتغلب على تلك العقبات، تحتاج هذه الشركات إلى تحديد أولوياتها والمبادرة بإضفاء طابع مؤسساتي على الشركة.
ثلاثة تحديات رئيسية
الدراسة أكدت أن الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه حالياً ثلاثة تحديات رئيسية خلال سعيها لتحقيق تنمية مستدامة في مجال الأعمال، وهي: أولاً: مشاكل الانتقال من جيل إلى جيل آخر، وثانياً: صعوبة بيئات العمل، أما التحدي الثالث: فيتمثل في تعقيدات إضافية في نماذج الأعمال الحالية. فعلى سبيل المثال، غالباً ما يصطدم المؤسسون الأكبر سناً مع الجيل الجديد في العائلة من الذين يمتلكون طموحات وأفكاراً مختلفة حول الشركة ويرغبون بالمشاركة في عملية صنع القرار. كما أصبحت نماذج الأعمال في الشركات العائلية أكثر تعقيداً، وغالباً ما تمتلك الشركة محفظة مجزأة تنتشر عبر فئات مختلفة من الأصول والمناطق الجغرافية والقطاعات، مما قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار والحاجة لمزيد من الرقابة.
وأخيراً، تستمر الظروف المالية الصعبة وزيادة المنافسة والتباطؤ الاقتصادي والابتكارات الجديدة في تهديد هذه الشركات.
التركيز على التحول إلى مؤسسات
ومن أجل التغلب على هذه التحديات، يقول الشريك في «استراتيجي &» ومدير في ممارسات الشركات العائلية والاستثمارات والعقارات في منطقة الشرق الأوسط رامي صفير: «تحتاج الشركات العائلية في المنطقة إلى التركيز على التحول إلى مؤسسات.
وستكون عملية التحول من شركة عائلية إلى مؤسسة مهنية مختلفة وخاصة بكل شركة على حدة، وستنطلق كل منها من مرحلة مختلفة عن نظيراتها. وسينجح إضفاء طابع مؤسسي على الشركة في فصل الأمور العائلية عن العمل، وزيادة الكفاءة ورفع القيمة لأصحاب العمل، بالإضافة إلى دعم عملية التحول من شركة عائلية إلى مؤسسة مهنية بما يتوافق مع أعلى معايير حوكمة الشركات والشفافية».
تحديد أولويات عملها
وللتعامل مع هذه التحديات، يتعين على الشركات العائلية تحديد أولويات عملها عند البدء بخطة التحول واتخاذ إحدى الإجراءات اللازمة لواحد أو أكثر من هذه الأمور الثلاثة المهمة، هي: أولاً: الحوكمة، وثانياً: الاستراتيجية، وثالثاً: عوامل تمكين الشركات. إذ يتعين على الشركات العائلية عند دراسة ممارسات الحوكمة، صياغتها بشكل مرن يتناسب مع طبيعة الشركات العائلية، مثل الفصل بين المسائل العائلية والعمل، وآلية تبادل المعلومات بين الجهات المعنية، وأن تكون على درجة عالية من الشفافية. وتكتسب أسس الحوكمة أهمية حيوية كونها تساعد على التعامل مع وجهات النظر المتباينة بين الأجيال.
تمييز نفسها عن المنافسين
وعلى صعيد الاستراتيجية، يتوجب على الشركات العائلية تحديد بعض القدرات الأساسية للتركيز عليها. إذ ينبغي التأكد من أن الكوادر والموارد مكرسة جميعها لتطوير هذه القدرات الأساسية التي يجب مواءمتها مع أهداف الشركة. ذلك سيخول هذه الشركات على تمييز أنفسها عن المنافسين والحفاظ على أحقيتها بالفوز. وأخيراً، تساعد عوامل تمكين الشركات العائلية على الالتزام باستراتيجية الشركة. ويعد ذلك ضرورياً خاصة بالنسبة للتكتلات التي تضم محافظ متنوعة تحتوي على كيانات مستقلة ذات نضوج مختلف، لهذا تتطلب هذه الشركات كياناً قوياً مستقلاً، يجمع أصولها تحت سقف واحد، يشرف عليها ويؤمن لها الدعم المناسب. ويتضمن هذا الكيان أرفع الوظائف المركزية في الشركة.
عوامل تمكين الشركات
ومن جانبها قالت المديرة في «استراتيجي &» وعضوة في ممارسات الشركات العائلية والاستثمارات، والعقارات في منطقة الشرق الأوسط، ماريا أبو صقر: نرى أهمية الحوكمة والاستراتيجية وعوامل تمكين الشركات، من خلال دراسة عملية انتقال الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو العمل المؤسسي. وينبغي على الشركات العائلية أن تبدأ عملية التحول هذه الآن في الوقت الذي لا يزال فيه مؤسسو الشركة على رأس عملهم. وإلا سيكون من الصعب الحصول على الدعم اللازم للقيام بعملية التحول، لا سيما عندما يصبح المساهمون مجزئين على أجيال مختلفة.
شركة الرجل الأوحد
وعلى الرغم من أن الشركات العائلية تتمتع بميزات فريدة، حددت «استراتيجي &» بالاعتماد على أمثلة واقعية لشركات عائلية في المنطقة، أربعة أنواع، تختلف خارطة طريق التحول المؤسسي لكل نوع، فالنوع الأول هو: شركة الرجل الأوحد، ويعزى نجاح الشركة لشخص واحد أو عدد قليل من أفراد الأسرة، وتفتقر إلى الكفاءات من خارج العائلة.
مع انضمام أجيال جديدة إلى العمل، تظهر معاناة «الرجل الأوحد» لاتخاذ القرار بشأن الشخص الذي يجب أن يتولى إدارة العمل وكيفية قيامه به، ولذلك تعد القضايا المتعلقة بالحوكمة وتمكين الشركة حاجة ملحة يجب التعامل معها.
العمل من دون هدف محدد
أما النوع الثاني فهو: الاندماج بين العائلة والأعمال، ويحتوي هذا النموذج على استراتيجية النمو وتمكين الشركة، ولكنه لا يميز بين ثروة العائلة وأصول الشركة. لذا تعطى الأولوية القصوى هنا إلى تطوير الحوكمة.
ويتمثل النوع الثالث في «العمل من دون هدف محدد»، ونجده في الشركات المتوارثة التي تحتفظ بموقع قوي في السوق، ولكن تعجز هذه الشركات عن تحقيق أهداف النمو والربحية بسبب افتقارها للمرونة اللازمة للاستجابة لظروف السوق المتغيرة، وينبغي العمل هنا على وضع استراتيجية مستقبلية للحفاظ على قدرتها التنافسية والنمو.
وأخيراً، يتجسد النوع الرابع في: الشركات العائلية ذات الطابع المؤسسي، والتي تتميز بأدائها القوي، ومع ذلك تنطوي على مخاطر الرضا عن الذات. ويتوجب على هذا النوع من الشركات العائلية الحفاظ على استراتيجية ديناميكية والقدرة على مواصلة تنمية قدراتها الفريدة لتجنب تراجع مكانتها في السوق، مع الاستعداد للتخلص من الوحدات ضعيفة الأداء.
التركيز على التنفيذ المتقن
وتعليقاً على هذه المعطيات، قال الشريك في «استراتيجي &» وعضو في ممارسات الشركات العائلية والاستثمارات والعقارات في منطقة الشرق الأوسط، مارك-ألبرت هامليان: بدأت العديد من الشركات العائلية بالفعل عملية التحول إلى نموذج مؤسسي بالكامل. تعامل بعضها مع أغلب التحديات الداخلية مع التركيز على التنفيذ المتقن لاستراتيجية الاستثمار. لكن تحتاج الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -لا سيما التي تتطلع إلى أبعد من العمل المؤسسي- إلى التفكير بمستقبل الشركة على المدى الطويل فيما يخص فرص تكوين الثروات والنمو والسيولة.