«الاقتصاد»يتفوق على «السياسة»

مؤشر الاثنين ٠٥/ديسمبر/٢٠١٦ ٠١:٤٣ ص

مسقط -

أكد رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك» أولي هانسن، أن السوق العالمي شهد تطورات لافتة خلال نوفمبر الفائت كنتيجة للفوز المفاجئ لترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والذي أعقبته أول خطوة لخفض الإنتاج من قبل «أوبك». والآن تتجه السندات الأمريكية إلى أول سوق ذات طابع هابط منذ 30 سنة، مع ارتفاع الأرباح إثر تعهّد إدارة ترامب الجديدة بزيادة الإنفاق وخفض الضرائب. لكن يبقى أهم تطورات الأسبوع الفائت إعلان ’أوبك‘ خفض الإنتاج بمعدّل 1.2 مليون برميل يومياً، مما يجسد تغليب المصلحة الاقتصادية على المواقف السياسية، وجاء التخفيض استجابة للارتفاع المتواصل في المخزونات العالمية وانخفاض الأسعار، وهي حالة وضعت الاقتصادات القائمة على النفط تحت ضغوط كبيرة. وخلال الفترة التي سبقت انعقاد اجتماع ’أوبك‘ كانت ثمة مخاوف من فشل اللقاء وتعرّض أسعار النفط الخام لمزيد من الضغط بسبب تشنّج مواقف إيران والسعودية، غير أن الأطراف المجتمعة في العاصمة النمساوية فيينا نجحت في تنحية خلافاتها السياسية جانباً انطلاقاً من إدراكها لأثر انخفاض الأسعار وما قد يفضي إليه من عواقب وخيمة.

إنهاء حالة التنافس

كما شهد اجتماع «أوبك» إعلاناً واضحاً عن إنهاء حالة التنافس على الحصة السوقية بين الدول الأعضاء للمنظمة، وذلك بما ينسجم مع الوعد الذي كانوا قد قطعوه في اجتماع الجزائر خلال سبتمبر الفائت، ذلك أن هذا التنافس قد أسفر عن هبوط أسعار النفط بما يقارب النصف منذ العام 2014. وقد ساعدت هذه الخطوة لخفض الإنتاج - والتي تعتبر أول حركة منسقة من نوعها منذ ثماني سنوات- على حفز ارتفاع في أسعار النفط، مما جعل شركات ومنتجي النفط تبصر وميضاً من النور يدل على نهاية النفق الذي تمر به حالياً. وسيتم تشارك عبء خفض الإنتاج بين كافة أعضاء المنظمة باستثناء إندونيسيا «التي جمّدت عضويتها» وليبيا ونيجيريا «بموجب إعفائهما»، وإيران «التي سُمح لها برفع إنتاجها بشكل طفيف».

ومن ناحية أخرى، فقد أعلنت الدول المنتجة للنفط خارج إطار «أوبك» بدورها عن خطط لخفض الإنتاج بمقدار 600 ألف برميل يومياً، علماً أن نصف هذه الكمية تعزى إلى روسيا. ولا بد أيضاً من التنويه إلى أن ليبيا ونيجيريا يجسّدان تحدياً حقيقياً لهذا الاتفاق، إذ إن كونهما معفيتين من هذه الخطوة يسمح لهما برفع إنتاجهما بما يزيد عن 500 ألف برميل خلال الأشهر المقبلة «تبعاً لمدى استقرارهما»، وبالتالي سيؤدي أي ارتفاع من طرف هاتين الدولتين إلى التأثير سلباً على مفعول الاتفاقية بطبيعة الحال.

رفع الأسعار في المدى القصير

أدت عملية تأجيل الدفعات الواسعة الناتجة عن فرط الإنتاج وزيادة العرض، بخاصة في ما يتعلق بخام برنت، إلى تراكم المعاملات القصيرة قبل الاجتماع. وسيؤدي إغلاق هذه المعاملات، أو حتى التخلي المحتمل عنها إلى رفع الأسعار في المدى القصير، قبل أن ينتقل التركيز في نهاية المطاف إلى تنفيذ خفض الإنتاج المتفق عليه بين أعضاء ’أوبك‘ وخارجها.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن تاريخ ’أوبك‘ لطالما كان حافلاً بحالات انعدام التوافق وقلّة الالتزام بين أعضائها، وهو ما قد يشكّل مصدر قلق للمنتجين بعد انتهاء موجة المشاعر الإيجابية وإعادة التموضع الأولية. وعند هذه النقطة يبقى السؤال التالي مطروحاً: هل سيتم فعلاً خفض الإنتاج خارج إطار «أوبك» بمقدار 600 ألف برميل؟ فروسيا لم يسبق لها أن دعمت أي جهد مشترك لخفض الإنتاج، وقد ينتظر كل واحد من الأطراف المنتجة أن يقوم الآخرون بخفض الإنتاج قبل تنفيذ الالتزام الواقع عليه.

إعادة تموضع أولية

وفي الوقت الراهن، فإن السبب الذي يدفعنا للاعتقاد بأن أي ارتفاع محتمل سيكون مقتصراً على إعادة تموضع أولية يكمن في الاستجابات الأولية لارتفاع الأسعار من قبل المنتجين الأمريكيين خلال الأشهر القليلة المقبلة، فقد سجل بعض أهم منتجي النفط الصخري الأمريكيين الأسبوع الفائت أسعاراً حققت لهم أرباحاً كبيرة، وقد ارتفع مؤشر ’إس بي دي آر ستاندرد آند بورز للمنتجات المتداولة في البورصة ضمن قطاع النفط والغاز‘ بواقع 11%، وسجّل منذ بداية العام وحتى الآن ارتفاعاً بمقدار 41%. وكان المنتجون الأمريكيون ذوو التكلفة العالية قد فقدوا ميزة الإنتاج بتكاليف صفرية خلال العام الفائت، مما سمح للكثيرين بالاستجابة مع ارتفاع الأسعار بسرعة أكبر من ذي قبل. والآن يبقى السؤال الأهم متمثلاً فيما إذا كانت الشركات ستستخدم تحسّن الإيرادات للاستثمار في تعزيز الإنتاج، أم أن تركيزها سيتمحور حول خفض المديونية التي تراكمت طوال هذا الوقت.

ونرى أن المخزونات ستنفد بسرعة أكبر مما كان متوقعاً كنتيجة لخفض الإنتاج، غير أن نفادها سيعتمد على مدى الالتزام الفعلي بهذا الخفض. وفي حين ستشكل هذه العملية دعماً للسوق، غير أنها ستؤدي إلى زيادة المعروض القادم من مخزونات قديمة كانت مهملة. وقد انخفضت فترة الأشهر الستّة المتفّق عليها بمعدل أكثر من النصف، وبالتالي فقد نرى تراجعاً في الاستفادة من المخزونات كنتيجة لتضاؤل احتمالية الربحية التي تنطوي عليها هذه التعاملات.

وارتفع النفط الخام مع وصول خام برنت إلى قمة جديدة عن العام الجاري، فقد تحرّكت السوق صعوداً قبل أن تُطرح أية أسئلة حول قدرة وعزم أعضاء ’أوبك‘ على الالتزام بالخفض المتفّق عليه.

ويعزى هذا الارتفاع إلى أسباب عديدة من أبرزها إعادة التموضع في سوق العقود الآجلة التي شهدت قبل انعقاد اجتماع «أوبك» استنفاذاً للمراهنات قصيرة الأمد بخصوص الارتفاع.

وعند هذه النقطة نرى أن احتمال الصعود فوق 55 دولاراً للبرميل يعتبر محدوداً للغاية، غير أن ضرورة تعديل المواقع قد تحفز ارتفاعاً سريعاً قصير الأمد فوق هذا المستوى. ومن المرجح أن تكون جهود «أوبك» قد نجحت في تأسيس أرضية راسخة للسوق قد تتمحور مبدئياً حول 45 دولاراً للبرميل، ولكن في حال كان الهدف هو 70 دولاراً للبرميل، فعلى الأغلب أن السوق ستضطر للانتظار طويلاً قبل بلوغه.