بشرى الحراصية
Alharrasi.bushra@gmail.com
أثبت التدريب وبلغة الميدان أنه عنصر مهم في منظومة نمو كل القطاعات، حيث يعد خطوة إستراتيجية يتحتم اتخاذها لتحقيق التطور، لذلك ترصد له الدول والحكومات ميزانيات ضخمة وتضعه الشركات الكبرى في صدارة أولوياتها وتزداد أهمية التدريب مع التحديات الراهنة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، مما يحتم العمل للوصول بعطاء الموظف إلى أعلى نسبة ممكنة وفق منظومة تدريب تركز على النوعية؛ لذلك يؤكد الخبراء أنه يجب أن تكون عملية التدريب وفق قواعد صارمة وضوابط دقيقة لأن الإخلال بأي عنصر من عناصر منظومة التدريب يفرغها من محتواها لتصبح مجرد أموال تصرف وجهد يبذل دون نتيجة، ولا يبقى الموظف أو المؤسسة يراوح مكانه «محلك سر» بل سيتراجع إلى الوراء لأن قطار التطور يسير بسرعة البرق الخاطف ومسايرته تتطلب العمل والاجتهاد.
إن نجاح أي مشروع لن يتحقق إلا إذا تم تحضيره وتنفيذه بطريقة علمية دقيقة تولي الاهتمام لأدق التفاصيل، ويأتي في صدارة الأولويات أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب إذ يجب أن يتولى منصب مسؤولية الإشراف على منظومة التدريب في المؤسسات والشركات أناس لهم دراية مطلقة بالقطاع يملكون مؤهلات أكاديمية وخبرة كبيرة ويعرفون كل خبايا وخفايا هذا الموضوع الاستراتيجي، لأنهم سيرسمون خريطة التدريب ويشرفون على تنفيذها، لذلك فإن تمتعهم بمعرفة تامة لهذا القطاع سيمكنهم من التفريق بين الغث والسمين وبالتالي يختارون أفضل البرامج ويسندون مهمة تنفيذها إلى أفضل المؤسسات ويتابعون خطوات التنفيذ بدقة ويعرفون كيف يقنعون الموظفين بأهمية التدريب ودوره في تنمية قدراتهم، مما يمكن من تحقيق أفضل النتائج ولا شك أن الشركات لن تفشل في الحصول على الكفاءات التي يمكنها أن تتولى هذا المنصب باقتدار لأن السوق حافل بأسماء لشباب عمانيين لهم خبرة ودراية ويمكنهم أن يحققوا الكثير شريطة أن يكون التوظيف بالخبرة والمؤهلات والكفاءة، وليس لاعتبارات أخرى!
الموظف هو هدف عملية التدريب وجوهرها لأنها تهدف إلى تطوير مستواه، وبالتالي تحسين مردوده والوصول به إلى أقصى درجات الإنتاج النوعي، لكن الملاحظ أن الكثيرين يقبلون على الدورات التدريبية من أجل شهادة يضيفونها إلى سيرتهم الذاتية «CV»، أو يثرون بها ملفهم للحصول على الوظيفة أو الترقية، وبالتالي يكون حضورهم في الدورات التدريبية شكليا فهم يترقبون لحظة نهايتها ليعودوا بشهادة تحقق أهدافهم مما يجعل صرف المبالغ على تدريبهم هدرا لميزانية المؤسسة، وحتى إن حصلوا على وظيفة أو ترقية لا يقدمون المطلوب منهم وهذا ما يحتم التركيز على ضرورة تعريف الموظفين بأهمية التدريب وإقناعهم بدوره في تحسين مستوى أدائهم ومردودهم، وأن يكون التقييم والترقية حسب العطاء الميداني وليس وفق أوراق يحتويها الملف.
السؤال الذي يتبادر لدى الكثير، لماذا لا يعطي التدريب النتائج الملموسة في القطاع المؤسسي أحيانا؟ ولماذا التدريب المرتبط بالدوافع الشخصية أكثر نجاحا؟ والجواب، أن عدم وضوح الرؤية لدى بعض المؤسسات سبب رئيسي، فالمبتعث للتدريب يعود إلى بيئة عمل لا تتناسب مع ما تعلمه، كما أن بعض المؤسسات تعين الموظف غير المناسب للوظيفة ثم تجبره على اكتساب مهارات لتحسين أدائه الوظيفي، أما سر نجاح التدريب المبني على دوافع شخصية فهو أنه غالبا ما يكون المتدرب يعي جيداً جوانب النقص لديه، لذا تجده أنجح في اختيار الدورات المناسبة والمدرب المناسب، كما أن الحافز الذاتي بطبيعة الحال أقوى في الدفع بالموظف للعمل على الاستفادة القصوى من التدريب.
لذلك يجب ربط التدريب بواقع عمل المتدربين والحرص على متابعتهم بعد انتهاء دوراتهم التدريبية للتأكد من أنهم أصبحوا ماهرين في استخدام ما تعلموه ويطبقونه في واقعهم العملي اليومي، ومن المهم أيضاً وجود معايير مهنية تقيم المتدربين وعمليه التدريب ككل، ولا شك أن مجازات الموظف وتقييمه وترقيته اعتمادا على الخبرة العملية والأداء الميداني وليس لسنوات العمل أو الشهادات سيكون له دور فعال في حث الجميع على التدريب والعمل على تطوير المستوى،
ما يساعد على الوصول بالشاب إلى مرحلة النضج، والتمكن هو حصوله على التدريب اللازم لتنمية مهاراته الشخصية ليكتشف قدراته وإمكانياتة مما يجعله قادرا على اختيار المشروع المناسب لشخصيته وقدراته الذاتية، كما يفتح له الطريق ليتعلم كيف يخطو بثبات لتجسيد طموحاته والانطلاق في مشروعه بنجاح مما يجعله منتجاً يساهم في الاقتصاد ويوفر فرص عمل لغيره، والتدريب الشخصي ليس مجرد مجموعة من الدورات في كيفية التعامل مع تطبيقات الحاسب الآلي أو بعض المهرات الأخرى، بل هو تدريب مركز على كيفية رسم الأهداف وتحقيقها وسبل تجسيدها على أرض الواقع بطريقة علمية صحيحة ومتابعة نموها لتصبح عملاقة.
المؤسسات التدريبية تتحمل مسؤولية جسيمة وتلعب دوراً استراتيجياً لأنها الأداة التي تنفذ عملية التدريب، فإن أصابت تجسدت الأهداف على أرض الواقع، أما إخفاقها فإنه لا يؤثر على المتدربين فقط بل يدمر المؤسسات ويقدم مخرجات لا تفي بالمتطلبات، وإذا كانت المتابعة والمراقبة ضرورية من الجهات المعنية لضمان استيفاء المؤسسات للشروط والضوابط وأدائها لدورها على أكمل وجه النسبة الكبرى من المسؤولية تقع على شركات التدريب التي من حقها أن تفكر في الربح وتخطط له لكن يجب أن تتحلى بالوعي وروح المسؤولية وتدرك دورها الجوهري، وأن تولي الأهمية لنوعية التدريب بالاعتماد على أحدث النظم والمناهج والخبرات العالمية المتخصصة، مع توفير الظروف والإمكانيات المثالية لتحقيق النتائج المتميزة وليس فقط تحقيق الربح المادي.
كم من مرة التقى مسؤولو الجهات المعنية بالتدريب مع المؤسسات العاملة في القطاع والمدربين المعتمدين لدراسة واقع القطاع للوقوف على الإيجابيات لتعزيزها ومعرفة السلبيات لتلافيها؟ وكم مرة التقى مسؤولو المؤسسات التدريبية فيما بينهم للتشاور وتبادل الخبرات؟ وكم مرة التقى المدربون فيما بينهم لدراسة التحديات التي تواجههم والبحث عن حلول لها؟ وهل يحرص المدربون ومسؤولو المؤسسات التدريبية على معرفة جديد التدريب وتحديث معارفهم خاصة أننا في عالم يشهد جديداً في جزء من الثانية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تدور في ذهني تنتظر جوابا عمليا لأن نجاح عملية التدريب لن يتحقق إلا إذا أدى كل طرف فيها دوره على أكمل وجه، وروح المسؤولية إن لم تنبع من الذات لن تنفع كل السبل الأخرى في غرسها.
الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «إبداع بلا حدود للتدريب»