عدن – حوار: إبراهيم مجاهد
استبعد الخبير السياسي والاقتصادي اليمني د.سيف العسلي استئناف عملية صرف الرواتب دون التدخل من قبل المجتمع الدولي، الذي قال إنه لن يدعم إلّا الحكومة التي يثق بها. وأشار العسلي، وزير المالية اليمني الأسبق، في حوار لـ»الشبيبة» إلى حاجة اليمن إلى حكومة ثالثة يثق بها المجتمع الدولي ويدعمها، لكنه حذّر من ربط تشكيلها بإيقاف الحرب. وقال إن على التحالف العربي أن يربط إيقاف الحرب بإجراء انتخابات رئاسية في اليمن، لافتاً إلى أن التحالف يستخدم حكومة عبدربه منصورهادي ورقة ضغط ولا يثق بها.
كوزير مالية سابق، من يتحمّل مسؤولية عدم صرف رواتب الموظفين؟
هناك استهتار وعدم اكتراث من القوى السياسية الداخلية والدول المحيطة والعالم باليمنيين.. هذه الحرب لم تكن ضرورية واستمرارها هو نوع من الجنون، فلم يكن هناك عداء بين المملكة العربية السعودية واليمن من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحوثيين الذين أظهروا عداءهم للسعودية لا يمتلكون أية قدرة حقيقية فعلية على تهديد المملكة، وكان بإمكان المملكة أن تحتوي هذا التهديد بأقل قدر من القوة وكان يمكن أن تكون هناك تسوية بدون تكاليف كبيرة لكل من اليمن والمملكة.
القوى السياسية في الداخل التي استمرأت الحرب وهي من تتحمّل مسؤولية إفلاس البلاد المتمثل بعدم صرف المرتبات.. لقد استنفدت الحرب معظم موارد المجتمع اليمني، فالدولة انهارت ولم تعد قادرة على تحصيل الموارد ويتعذر فيها ممارسة وظائف الدولة.
ما هو الحل إذن؟
بكل صراحة ووضوح يجب إيقاف هذه الحرب فوراً فاستمرارها يعني استنزاف ما تبقى من الموارد وفي هذه الحالة سيموت مزيد من اليمنيين بالحرب والجوع.. على كل القوى السياسية أن تدرك أنها لا تستطيع تحقيق أي من أهدافها في استمرار الحرب بل ستجبر على إيقاف الحرب كرهاً وكان ينبغي أن توقفها طوعاً وعليها أن تعترف بأخطائها لتحافظ على الحد الأدنى لمشاركتها السياسية.
على أي أساس يتم إيقاف الحرب؟
الحرب لم يكن لها أهداف وطنية والقوى السياسية اليمنية استغلت الحرب لتحقيق أهدافها السياسية للسيطرة على المجتمع اليمني بعيداً عن الاستحقاق المتمثل في الانتخابات وتحت شعارات الاستقلال والحرية والكرامة، وكان الأفضل أن تخوض المعركة في الداخل بالطرق السلمية من خلال تقديم البرامج والرؤى وفي هذه فإن نجاحها سيكون نجاحاً لها وخسارتها ستكون نجاحاً للشعب لأنها كانت تهدف على نجاح للشعب لا نجاحها على حساب الشعب.
لم تتمكن هذه القوى بعد عامين من الدمار والقتل والتجويع السيطرة على المجتمع اليمني وليس أمامها سوى الخيار السلمي فهو الكفيل بإيقاف الحرب إلّا أن هذه القوى شجعت على استمرار الحرب نكاية بالشعب اليمني مع أن التوافق على الانتخابات هو الخيار الوحيد لإيقاف الحرب وهو ما ليس مطروحاً في المفاوضات.
هل يعني هذا أن الحرب ستستمر؟
استمرار الحرب بغيض ومقرف وإن استمرأها الدجالون فالحرب وقودها الناس فهم من يدفعون ثمن استمرارها من عيشهم واستقرارهم ولا توجد حرب في التاريخ استمرت حتى قيام الساعة.. الشعب سيوقف الحرب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فما يعانيه الشعب في الوقت الحاضر سيدفعه حتما لمعارضة الحرب (احتجاجات.. اعتصامات) وهذا الجانب الإيجابي، أو من خلال الجانب السلبي، والمتمثل برفض رفد جبهات القتال بالمال والسلاح والمقاتلين.. على القوى السياسية أن تقارن بين الموارد المتاحة لها بداية الحرب والمتاحة الآن.. فالحرب انتهت ولم يبقَ سوى رمادها.
ما تعليقك على خريطة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بشأن اليمن؟
هذه المبادرة إيجابية؛ لأنها على الأقل كسرت العزلة التي فرضها «أنصار الله» حول اليمن من خلال مهاجمتهم لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والمجتمع الدولي وعدائهم غير المبرر لأمريكا وهروعهم نحو محور المقاومة، فلم يستطيعوا إيجاد حلفاء دوليين لليمن ولا لهم ولا أحد من العالم يدعمهم بسبب تصرفاتهم وشعاراتهم، كما أنهم لم يعملوا على استعطاف وكسب منظمات المجتمع المدني ولم يسمحوا بدخول وسائل الإعلام الأجنبية، فكل أجنبي عندهم متهم بالجاسوسية وإعلامهم يمارس الاستفزاز. فالتصرفات الصبيانية لأنصار الله ساعدت السعودية والتحالف على فرض حصار مطبق على اليمن.. ولأن مبادرة كيري لا تخدم أهداف طرفي الصراع فقد عمل الطرفان على تمييعها والدليل على ذلك أن الطرفين رفضاها بشكل مباشر أو غير مباشر، فالطرف الذي اعتبرها صالحة لأن تكون أساسا للحوار فهو يرفضها بشكل غير مباشر، والطرف الذي يطالب بتعديلها فهو يرفضها.. نقول للطرفين إن صبر اليمن والعالم قد نفد ولم يعد لديهم سوى شهرين للمراوغة وستُفرض عليهما هذه المبادرة طوعاً أو كرهاً.
كيف ذلك؟
من الواضح أن الحكومة التي شكّلها أنصار الله لم يعترف بها العالم الخارجي ولن تكن قادرة على فعل أي شيء بدون دعم المجتمع الدولي، كما أن الحكومة التي تدعمها السعودية قد فشلت ولن يستمر العالم الخارجي بدعمها إلى ما لا نهاية، فلا بد من وجود حكومة محايدة وهي ما أشارت إليه مبادرة كيري.. والتحالف يستطيع التمرد على هذه المبادرة لكنه لا يستطيع التمرد على الإدارة الأمريكية الجديدة والتي ستكون أكثر تشدداً ضد أنصار الله وضد التحالف، فمن أهدافها قيام حكومات والتعامل مع حكومات فعلية فلن تقبل التعامل مع حكومة أنصار الله ولا مع حكومة هادي وينبغي على الطرفين أن يدركا ذلك..والمجتمع الدولي ضروري لإنقاذ الاقتصاد الذي يحتاج إلى دعم بحدود 5 بلايين دولار للانتعاش وهو غير متاح الآن والمجتمع الدولي قادر على إنقاذ اقتصاد اليمن والضغط على التحالف وتقديم الدعم لحكومة مُعترف بها.
والمجتمع الدولي رفض تقديم الدعم لحكومة هادي ولن يقدمها لحكومة أنصار الله وعلى الأخيرين أن يدركوا ذلك ويتخلوا عن شعاراتهم واستعداء العالم الخارجي، كما لا يمكن استئناف صرف الرواتب وتمويل السلع الأساسية لليمنيين إلا من خلال حكومة يعترف بها المجتمع الدولي.
ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدمها في نهاية هذا الحوار؟
على القوى المتحاربة في الداخل الاعتراف بأخطائها والتخلي عن قياداتها لإتاحة المجال للشباب.. وعلى دول التحالف الاعتراف بأخطائها فإن استطاعوا إسقاط أنصار الله، لا يستطيعون تجاهل هذه الحرب وعليهم إعادة النظر بأخطائهم.
ونصيحتي للشعب اليمني أن يتبرأ من هذه الحرب ولا يبررها ويساند من يعمل على إشعالها.
وعلى المجتمع الدولي النظر إلى أن هناك يمنيين يتعرّضون للقتل والجوع وأن يعمل على التدخل إنسانياً لمساعدتهم في الخروج من الأزمة فلهم نفس حقوق البوسنة والهرسك وأفغانستان والعراق وليبيا وعليهم أن يعطوا الشعب اليمني نفس الاهتمام والجهود فكأن الشعب اليمني يعاقب من المجتمع الدولي دون ذنب، ونأمل أن يصحو ضمير المجتمع الدولي ولو متأخراً للعمل على الحيلولة دون وقوع الكارثة.