حارة البخت

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
حارة البخت

محمد بن سيف الرحبي

ذهبت إلى العرض المسرحي «حارة البخت»، وفي بالي مجموعة صور ذهنية تعتمد على حقل التجارب الذي سرنا فيه مسرحياً، أولها شفقتي على طاقم العمل، وفيه أصدقاء وزملاء، من قلة الحضور الجماهيري الذي آنس إلى الفرجة المجانية وليس من السهل إقناعه بشراء تذكرة، والثانية أن الكوميديا ستطغى على الهدف، وصور أخرى رغم أن الصورتين اللتين أوردتهما لهما ما يزيحهما مسبقاً، حيث الليلة الأولى شهدت حضوراً كبيراً كما يقال، لكن من رأى ليس كمن سمع، والصورة الثانية يلغيها ذلك العرض الذي حضرته للمؤلف والمخرج مالك المسلماني مسبقا، حيث «دمدم» الذي منع عرضه في اليوم التالي فوراً.

كنت كتبت عن «دمدم» وتكلمت حوله مع مسؤول كبير في الإعلام وأبلغني موافقته على إعادة العرض لأنقلها للصديق مالك، بشرط حذف كلمتي «خربانة خربانة».

عندما وصلت «حارة البخت» في المسرح المفتوح بجامعة السلطان قابوس ظننت نفسي أنني أخطأت الدرب، فالسيارات تملأ الأرصفة، والشرطي يستأذن، كما سمعت مصادفة، مسؤوله إن كان يضع المخالفات على السيارات التي لم تجد مكاناً لها أصلاً أو يتسامح في يوم استثنائي، أكد لي شرطي آخر أنني أسير فعلا إلى المسرح المفتوح.
ما هذا الذي أراه؟ هل يتجاوز الحضور ألفي شخص جاءوا من أجل عرض مسرحي يمتد ثلاث ساعات بما يداخلهم من ملل وقد دفعوا تذاكر؟!
كانت الرسالة واضحة، المسرح يجذب إليه الناس إن كان يقدم إليهم الفرجة التي يريدونها، أما المسرح الجامد والمصاب بهستيريا الصراخ والبكاء والحركات العنيفة فهدفه إرضاء لجان التحكيم في المهرجانات، لا أكثر!!
بطل العرض الفنان المتألق عبدالحكيم الصالحي، وجمهوره في الجامعة، ولدى جيل الشباب، كبير ومعوّل عليه في نجاح التجربة، ووعي المؤلف والمخرج مالك المسلماني قادر أن يجذب إلى العرض الباحثين عن متعة أبي الفنون، وهو يوالف بين الضحكة والرسالة، وكان ما أعلاها من ضحكات، وما أوسعها من رسالة.
الممثلون شكلوا حالة إبداع مدهشة، بما يلغي ضعف الكفاءات التمثيلية لدينا إن هي دربت جيدا من خلال مخرج يجد الوقت أن يفهمها رسالتها وينضج بها، ومعها، العرض على الخشبة، لتحقيق الفرجة المبنية على «وعي» فني لا كلام «الحواري»، بما فيه من فلتات سوقية قد تكون مبررة أحياناً كون المسرح يعكس واقع الحياة وفق قدرة الجمهور أولاً على استيعاب جرأته في الأخذ من الواقع، وثانياً: قدرة المؤلف على إيجاد التوليفة المناسبة بين ما يريده الفن.. وما يريده الجمهور.
تحليل الرسائل التي حملها عرض حارة البخت يحتاج إلى مساحات أوسع لكنه رمى بعشرات منها إلى وعي الجمهور ليقول له إن الفن يعكس أفكارك وهمومك، وإن الناس الذين يطلون علينا من أعلى ولا يفهمون ما يدور إلا مما ينقله إليهم كاتبو التقارير هم مسطحون في الأصل، سيهبطون يوماً ليقبضوا على بختنا، حتى على جثة صاحبه، كل ما علينا أن لا نتواطأ ضد أنفسنا فيكسبوا أكثر تاركين لنا الفتات.
مع ذلك النجاح الجميل، يمكنني القول إن نقطة مهمة أرى ضرورتها لإنجاح العرض.. لو حذف ثلثه، وساعتان تكفيان.