برلسكوني أمريكا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٣٠/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
برلسكوني أمريكا

بيل إيموت

خلال الأسبوعين الفائتين، تساءل العالم كيف سيتصرف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في الحكم وما هي السياسات التي سيتبعها بعد حملة طويلة مليئة بتصريحات متناقضة. ولا يمكن لرئيسَي أمريكا ورجلَي أعمال سابقين -وارن هاردنج وهربرت هوفر- توفير الكثير من التوجيه لأنهما حكما قبل فترة طويلة جدا. ومع ذلك، هناك سابقة أوروبية حديثة العهد: رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني.

ما حققه ترامب، ابتكره برلسكوني قبله. فمثل ترامب، بنى رجل الأعمال برلسكوني ثروته في مجال العقار. عندما دخل ميدان السياسة في العام 1994، كان دخيلا، وإن كان مثل ترامب، دائما على مقربة من مسؤولين كُثر.

أوجه التشابه بينهما لا تنتهي عند هذا الحد. كل من ترامب وبرلسكوني على دراية وثيقة بدواخل قاعات المحاكم. انتقل ترامب بسرعة منذ الانتخابات لتسوية دعاوى الاحتيال ضد جامعة ترامب، لكن لديه نحو 70 دعوى أخرى معلقة ضده وضد شركاته. كلاهما يعانيان من تضارب المصالح كرئيسي دول، يمتلكان إمبراطوريات تجارية كبيرة خاصة بهما.
برلسكوني، مثل ترامب، تمكن من تقديم نفسه كرجل غني وشعبوي. فقد كان يفضل التواصل مباشرة مع الشعب، وتجاوز الهياكل الإعلامية والحزبية التقليدية. كما زاد ميوله للنساء الفاتنات والمنازل الجذابة من جاذبيته الشعبية بطريقة أو بأخرى.
المقارنة بين ترامب وبرلسكوني ليست سطحية. في الواقع، تجربة إيطاليا مع برلسكوني -أو الكافاليير (الفارس)، كما هو معروف في بلاده- تقدم ستة دروس واضحة بالنسبة للأمريكيين والعالم على ما يمكن توقعه من ترامب.
أولا، لا ينبغي لأحد الاستخفاف بالرئيس المقبل للولايات المتحدة. بالفعل، لقد تحدى ترامب كل التوقعات، حيث لم يتنبأ الكثيرون أنه سيفوز حتى بترشيح الحزب الجمهوري. ومع ذلك ما زال العديد من المراقبين يتوقعون سقوطه الوشيك، على افتراض أنه سيستمر أربع سنوات فقط في البيت الأبيض، إذا لم يتم خلعه من منصبه قبل ذلك.
تجربة برلسكوني تروي قصة مختلفة، كان معارضو برلسكوني أيضا يستخفون به باستمرار. فقد اعتبره المعلقون جاهلا جدا وعديم الخبرة ولا يستحق بذلك أن يصبح رئيس الوزراء، معتقدين أنه لن ينجو من سلبيات السياسة أو ضغوط الحكومة.
رغم ذلك، لا يزال برلسكوني واحدا من جبابرة السياسة الإيطالية. في السنوات الـ 22 الفائتة، فاز في ثلاثة انتخابات عامة وشغل منصب رئيس الوزراء لمدة تسع سنوات. وحاول الصحفيون والمفكرون استدراجه لنقاش عام، لكنهم لم ينجحوا. يجب على نقاد ترامب -بل وجميع المراقبين في الولايات المتحدة- أخذ ذلك بعين الاعتبار.
الدرس الثاني هو أن ترامب سيسعى وراء إشعال الحملة السياسية الدائمة، وإدخال نفسه مباشرة في المحادثات اليومية. كان يستخدم برلسكوني التلفزيون، خاصة قنواته التجارية الخاصة، لتحقيق هذه الغاية. بدلا من إجراء مقابلات لا يمكنه السيطرة عليها، غالبا ما كان يعمل برلسكوني مع المساعدين المفضلين، أو ببساطة يتحدث مباشرة إلى الكاميرا. وكانت العديد من البرامج السياسية تُقاطع بسبب مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء يطالب فيها بإعطاء رأيه.
وبخصوص ترامب، لا ينبغي أن نتوقع استمرار وابل تويتر فحسب، بل استخدام التلفزيون أيضا، بما في ذلك البرامج الحوارية، وغيرها من القنوات للتحدث مباشرة إلى الشعب. ويعزز هذه القراءة قرار ترامب بث فيديو لدقيقتين ونصف في اليوتيوب ليُبين فيه أولوياته، بدلا من مؤتمر صحفي. في حين قد لا يبدو هذا النهج رئاسيا جدا، لكنه سينجح على الأقل عندما ينفذ من قبل مسوق رئيسي يعمل بسرعة ويتلاعب بالحقائق.
الدرس الثالث من نجاح برلسكوني إثباته أن الشخص الثري والقوي كذلك يمكنه لعب دور الضحية على نحو فعال. في الواقع، حتى وهو في منصبه، كان برلسكوني يدعي باستمرار أنه يتعرض لهجمات من قبل القضاء، ورجال الأعمال المنافسين، و«الشيوعيين»، والمؤسسة السياسية.
وعندما تزداد الأمور سوءا، نتوقع أن يفعل ترامب الشيء نفسه. بغض النظر عن أنه ملياردير ازداد في عائلة ثرية، وأنه سيترشح لنفس المنصب في الانتخابات المقبلة، فإن ترامب سيعتبر نفسه على الدوام محاصرا من قبل أعداء يدافعون عن مصالحهم الذاتية.
الدرس الرابع هو أن القذف لابد أن يحدث. وبغرض تشويه خصومه بشكل فظيع، استغل برلسكوني محطات التلفزيون والصحف التي يمتلكها ماكينا ديل فانغو أو «آلة الطين»، كما دعاها الكاتب روبرتو سافيانو.
إن هجمات ترامب على وسائل الإعلام في كثير من الأحيان عن طريق تويتر، هي مقدمة لهذا السلوك، كما تعهد في حملته «بفتح» قوانين التشهير. ومن المرجح أن يقوم بهذه المهمة ستيفن بانون الذي عينه مؤخرا كبير الاستراتيجيين، وهو الرئيس الأسبق للوكالة اليمينية المتطرفة للأخبار بريتبارت.
الدرس الخامس هو أن ترامب سيستمر في كسب الولاء في إدارته قبل كل شيء، تماما كما فعل برلسكوني. بالفعل، فقد جعل ترامب من أولاده الثلاثة -الذين من المفترض أن يقوموا بإدارة أعماله خلال فترة رئاسته- الفاعلين الرئيسيين في حملته الانتخابية وخلال الفترة الانتقالية. قد يمنع القانون الاتحادي ترامب من تعيين أبنائه في مناصب حكومية، لكنهم سيظلون بالتأكيد جزءا من صنع قراراته. بالفعل، حضرت ابنته إيفانكا ترامب وزوجها جاريد كوشنر اجتماع ترامب الأول مع رئيس الحكومة الياباني شينزو آبي. حتى اجتماعات ترامب غير العائلية -في كثير من الأحيان الشخصيات المثيرة للجدل أو المتطرفة التي لن يكون لها مكانا في أي حكومة إلا حكومة ترامب- تعكس التركيز على الولاء الشخصي.
الدرس الأخير من برلسكوني يتمثل في أخذ التعبير عن الإعجاب بالأقوياء مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على محمل الجد. لقد تعود المتعجرفون مثل برلسكوني وترامب عقد صفقات شخصية، وتفضيل الأقوياء الآخرين كمحاوريهم. كانت هناك زيارتان مفضلتان عند برلسكوني عندما كان في منصبه: الأولى لمنزل بوتين في الريف والثانية لخيمة الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، وليس اجتماعات المجلس الأوروبي المملة أو قمم المجموعة 20.
في النهاية، هناك فرق واحد بين سيلفيو برلسكوني ودونالد ترامب. لم يكن لبرلسكوني أي برامج حقيقية وهو في منصبه، إلا توسيع مصالحه التجارية والشخصية وتعزيز سلطته من خلال توفير الموارد والخدمات لأنصاره. وتميزت خدمته السيئة للإيطاليين بتقاعسه عن مواجهة الركود الاقتصادي، لكنه على الأقل لم يترك الأمور تزيد سوءا. ترامب، على النقيض من ذلك، لديه برنامج، لكن من الصعب تطبيقه. سنرى إن كان ذلك سيجعل الأمور أفضل أو أسوأ.

رئيس تحرير مجلة الإيكونوميست سابقاً