ترامب والنظام النقدي الدولي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٩/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
ترامب والنظام النقدي الدولي

أندرو شنج

من الصعب أن نعرف على وجه الدقة ماذا قد يفعل رئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ترامب عندما يتولى منصبه رسمياً في يناير. ولكن الأمر الوحيد المؤكد هو أنه سيسعى إلى خفض الضرائب وزيادة الإنفاق على البنية الأساسية. وتتوقع الأسواق المالية نتيجة لهذا نمواً أسرع في الولايات المتحدة -وهو التصور الذي ساعد في تعزيز سعر صرف الدولار في مقابل أغلب العملات بما في ذلك الرنمينبي، فضلاً عن استحثاث هروب رؤوس الأموال من الاقتصادات الناشئة.

على الرغم من تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصين، فإن انبعاث الدولار من شأنه أن يلحق الضرر بالقدرة التنافسية التجارية للولايات المتحدة. ومع ذلك فإن الدولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي، كان بالفعل مقوماً بأعلى من قيمته الحقيقية بنحو 10 %إلى 20 %في يونيو.

ولكن هذا ليس كل شيء. ففي حين يفترض أن تكون التجارة المحرك الأساسي لأسعار الصرف، والتي ينبغي لها أن ترتفع أو تنخفض لتصحيح اختلالات التوازن الخارجية للدول، فقد تنامت تدفقات رأس المال إلى الحد الذي أصبح معه الدور الذي تلعبه في توجيه أسعار الصرف أكبر كثيراً الآن. وفي هذا السياق، قد يؤدي تفاؤل السوق بشأن النمو في الولايات المتحدة إلى اختلالات توازن متزايدة الضخامة، بل وربما تعطيل النظام النقدي الدولي.
في العام 2010، استخدم محافظ بنك إنجلترا السابق ميرفين كنج لعبة السودوكو لتصوير اختلالات توازن المدخرات العالمية، مؤكداً على أن الأرقام في الجدول لا يمكن اختيارها بشكل مستقل. فإذا كانت كل الدول راغبة في تحقيق التشغيل الكامل للعمالة على سبيل المثال، وكانت الدول التي لديها مدخرات عالية تسعى إلى تحقيق فائض تجاري، فلن يكون بوسع الدول حيث المدخرات منخفضة أن تستهدف عجزاً تجارياً أقل. وعلى هذا، كان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق بن برنانكي مُحِقاً عندما اعتبر دول «الادخار الفائض» مسؤولة عن فقدان السيطرة النقدية في الولايات المتحدة -على الأقل في ما يتصل بالتدفقات التجارية.
العنصر المفقود في هذا التقييم هو تدفقات الاستثمار. فبوسعنا في واقع الأمر أن نملأ خانات جدول السودوكو الذي يُظهِر المخزون من صافي مطالبات الاستثمار الأجنبي من قِبَل الدول التي ليس لديها عملة احتياطية على خانات الدول التي تصدر العملات الاحتياطية، وهي في الأساس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وكانت بعض تدفقات الاستثمار ذات الصلة ممولة من خلال الائتمان الفائض في الأسواق الدولية.
في الفترة من العام 1997 إلى 2007، اتسع صافي العجز في الاستثمار في الولايات المتحدة بمقدار 0.3 تريليون دولار فقط، في حين ارتفع صافي فائض الاستثمار في الصين بمقدار 1.2 تريليون دولار، وفي اليابان بمقدار 1.1 تريليون دولار، وفي ألمانيا بمقدار 0.8 تريليون دولار. وكانت الكيانات التي شهدت عجزا كبيرا في الاستثمار منطقة اليورو باستثناء ألمانيا، حيث بلغ العجز 2.4 تريليون دولار خلال ذلك العقد، والمملكة المتحدة حيث بلغ العجز 0.5 تريليون دولار.
على مدار السنوات السبع التالية، حتى العام 2014، تدهور صافي موقف الاستثمارات في أميركا بنحو 5.7 تريليون دولار، فأنتج هذا ديونا بلغت 40.2 %من الناتج المحلي الإجمالي. ولم يتغير صافي موقف الاستثمارات في منطقة اليورو باستثناء ألمانيا إلا بالكاد خلال الفترة نفسها، وهو ما يرجع إلى التقشف المالي. ومن ناحية أخرى، ارتفع صافي فائض الاستثمارات في ألمانيا بنحو 0.8 تريليون دولار، وصافي فائض الاستثمارات في اليابان بنحو 1.2 تريليون دولار، وصافي فائض الاستثمارات في الصين بنحو 0.7 تريليون دولار. كما تعزز صافي موقف الاستثمارات في بقية العالم بنحو 3 تريليون دولار خلال الفترة نفسها، وهو ما يرجع في الأساس إلى طفرة السلع الأساسية، التي تلاشت مع تباطؤ الصين.

يتجلى النمو السريع في إجمالي الديون الأمريكية المستحقة لبقية العالم في بيانات وزارة الخزانة الأمريكية بشأن الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة الأمريكية، والتي ارتفعت من 9.8 تريليون دولار في العام 2007 إلى 17.1 تريليون دولار بحلول يونيو 2015، وكان نحو 10.5 تريليون دولار من هذا المبلغ في هيئة ديون ونحو 6.6 تريليون دولار في هيئة أسهم. وكانت الحيازات الأجنبية من سندات الخزانة الأمريكية تعادل 95%من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في يونيو 2015.

على هذه الخلفية، قد يتبين لنا أن السياسات التي من شأنها أن تعزز قيمة الدولار بشكل كبير مُعضِلة إلى حد كبير. فبرغم الحجج الوجيهة لصالح زيادة الاستثمار في البنية الأساسية -من توفير فرص العمل إلى مكاسب الإنتاجية- لا يجوز لنا أن نتجاهل حقيقة مفادها أن هذه الزيادة من المرجح أن تجتذب المزيد من المدخرات العالمية، فتدفع الدولار إلى المزيد من الارتفاع. وستؤدي الارتفاعات المرتقبة في أسعار الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي في التعامل مع التضخم القادم إلى تفاقم هذا الاتجاه.

زميل متميز لدى معهد آسيا العالمي في جامعة هونج كونج، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لشؤون التمويل المستدام.